إن الله الذي لا يشاء هلاك الخاطئ، بل بالحري أن يتوب ويرجع إليه ويخلص. لذلك فإنه يرسل إنذارات متنوِّعة إليه لعلَّه يستفيد منها من أجل خلاص نفسه. وإنذارات اللَه هى أجراس تنذر بخطر مُعيَّن، لكي نصحو إلى أنفسنا، ونرجع إلى الله. فهى إذن لفائدتنا. وقد تكون عبارة عن ضيقات مُعيَّنة تحل بنا أو مُجرَّد كلمات إنذار. هذه الإنذارات هى من صميم مراحم الله، تعطي الإنسان فرصة لمراجعة نفسه.
ومن أمثلتها: بعض الزلازل الخطيرة التي هزت بلاداً. وخاف الناس واعتبروها علامة على بداية النهاية. وكان الخوف دافعاً لهم وقادهم إلى التوبة وإلى مزيد من الحرص. إن اللَه لا يضرب الخطاة ضربة مفاجئة تهلكهم، بل بمراحمه ينذرهم. وهنا تعجبني صلاة كان يُصلِّيها أحد الرهبان قائلاً: " لا تأخذني يارب في ساعة غفلة ".
+ والإنذار الإلهي قد يأتي قبل السقوط، لكي يحترس الإنسان ولا يسقط. وقد يأتي بعد السقوط، ليكون دعوة إلى التوبة. ولهذا قدَّم الله لنا هذه الوسيلة، لكي ننذر أيضاً ما يمكننا إنذاره من الخاطئين، لكي يتوبوا. ومن الأسف أن الكثيرين مِمَّن عليهم المسئولية قد يتعسَّفون من الإنذار، بدافع من الخجل أو المجاملة أو العطف. وبسبب ذلك يبتعدون عن النصيحة أو الإنذار لأحبائهم ومعارفهم. وأحياناً بدافع الخوف لئلا يتضايقوا منهم. وقد توجد أُم عطوفة على ابنها أو طفلها لا توبِّخه مطلقاً مهما أخطأ، لئلا يحزن، أو لئلا يغضب منها. وقد تفتخر بهذا الأمر وتقول: " ابني هذا لن أحزنه في شيء ما منذ ولادته "، بينما رُبَّما هذا التدليل ليفسده. بينما الحُب الحقيقي يكون في توجيهه إلى ترك أخطاءه، لكي لا يقع فيها مرَّة أخرى. وأيضاً يكون ذلك بأسلوب حكيم لا تخسره به.
+ لقد أنذر الله العالم قبل الطوفان، فنجى من قِبَل الإنذار وأطاع، أعني نوحاً وأسرته. وقد أنذر الله أيضاً فرعون مرات عديدة ، قبل أن يضربه الضربة النهائية. ولكن فرعون كان في كل إنذارات الله يرفضها ويُعاند، لذلك قد هلك.
+ قد يأتي الإنذار من الله نفسه مباشرة كما حدث في قصة الطوفان، وكما حدث كثيراً في بعض أحداث التاريخ. وقد يكون الإنذار الإلهي عن طريق الرُّسُل والأنبياء، وعن طريق المرشدين والمُعلِّمين أو بعض الناصحين.
+ وقد يكون الإنذار عن طريق عقوبة تحدث تأثيرها في النَّفس. وقد يبكي إنسان بسببها ويحزن. لكن الحزن يقوده إلى التوبة. وقد يكون الإنذار الإلهي عن طريق فشل يقع فيه الشخص أو مرض أو ضيق. فيبحث عن سبب فشله كيف يُعالجه. أو قد يستيقظ إلى نفسه ويقول: " رُبَّما هذا الفشل نتيجة لتخلِّي الله عني بسبب خطاياي. إنه إنذار لي لكي أصطلح مع الله وأرجع إليه ". وقد يمرض أحدهم مرضاً خطيراً. فيقول لنفسه: " إنه إنذار من الله، ورُبَّما الموت قريب، وعليَّ أن أتوب قبل أن أموت ". لذلك فإن بعض المشاكل العويصة قد تحمل إنذاراً بالرجوع إلى الله لكي يتدخَّل ويحل المشكلة.
+ هناك إنذارات عامة يُقدِّمها الله للبشرية عن طريق الأمراض المُستعصية. مثل مرض الإيدز الذي عجز الأطباء عن علاجه. وصار إنذاراً للمنحرفين خلقياً يخافون منه. وبالمثل لا يحدث لبعض الأمراض المستعصية الأخرى مثل فيرس C، والفشل الكبدي، وأمراض أخرى خاصة بالمخ لا علاج لها ... ورُبَّما يكون الإنذار هو موت أحد الأحباء أو الأقرباء ... إذ يتأثَّر القلب بهذا الموت. ويقول الإنسان لنفسه: " ما أسهل أن يترك الإنسان هذا العالم الفاني في أي وقت. فعليَّ أن أكون محترساً في كل وقت ".
+ وقد يأتي الإنذار الإلهي عن طريق أحداث مُعيَّنة: كما حدث سنة 1948 حينما هجم وباء الكوليرا على مصر وكان من ضحاياه كثيرون. ولكن الكثيرين أيضاً قادهم الخوف من الوباء إلى التوبة. ومثل ذلك ما يحدث في بلاد أخرى من كوارث طبيعية مثل البراكين أو الفيضانات أو القحط أو الحروب. ولا شكّ أن كثيراً من الكوارث تحمل في أعماقها إنذارات للعالم لكي يرجع إلى الله. ولكن الحُكماء لا ينتظرون الكوارث حتى يتوبوا. بل عليهم أن يكونوا مستعدين للقاء الله في كل وقت. تجذبهم محبة الله أكثر مِمَّا تخيفهم الإنذارات. أمَّا إن آتتهم الإنذارات فليستيقظوا.
+ وقد يكون الإنذار بطريق التأثُّر الروحي. وقد يتأثر أحدهم بقراءة روحية، أو بعظة مُعيَّنة أو بأحداث سمع عنها. وقد يكون الإنذار عن طريق توبيخ من مُرشِد روحي، أو من الوالدين، أو نصيحة من أحد الأصدقاء، أو من مقال روحي قد قرأه. على أن ردود الفعل للإنذارات الإلهية قد تتنوع من شخص لآخر، أو من شعب لآخر. وهناك نوع سريع التَّأثُّر ينتفع بالإنذار الإلهي ويستجيب له. وهناك من الناس يسمع الإنذار فيتأثَّر، ولكنه يؤجِّل التوبة وتغيير مسلكه. بلون من قساوة القلب والعناد أو التَّمسُّك بما هو فيه. وهناك نوع يتلقَّى الإنذار فيتأثر به. ولكنه ييأس. إذ تكون الخطيَّة قد سيطرت عليه تماماً. وأصبح لا يستطيع الفكاك منها. وكأنه مستعبد للخطأ لا توثر فيه الإنذارات. أو هو يسمع الإنذار ولا يبال ويستمر في أخطائه حتى يضيع. ما أكثر الذين تعطيهم الإنذارات ولكن شهواتهم تُضلِّلهم، أو كبرياءهم وتكون عائقاً أمام استجابتهم وتقودهم إلى لون من العناد. وهناك نوع صلب الرقبة مثل بني إسرائيل الذين لم يستمعوا بقلوبهم إلى إنذارات الله مرات عديدة فأسلمهم الرب إلى يد نبوخذنصر، وتمَّ سبيهم في بلاد فارس. وبكوا حينما جلسوا على أنهار بابل مُتذكِّرين صهيون!
+ وهناك نوع آخر يصله الإنذار، فيستهزئ ويقاوم ويعتد بنفسه.
وهناك نوع أصعب من كل أولئك فهو لا يتأثر إطلاقاً مهما سمع الإنذارات وتكون نهايته هو مثال ذلك يهوذا الإسخريوطي الذي أصبح في العالم كله مثالاً للخيانة.
أمَّا أنت أيها القارئ العزيز: إن أتاك إنذار من الله في وقت ما من الأوقات، فحاول أن تستجيب وبسرعة وتستفيد من ذلك. وليساعدك الله
تعليقات
إرسال تعليق