كان الجانب اللاخلقيدونى يرغب فى نبذ النسطورية بتأكيد عقيدة الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة طبيعة واحدة من طبيعتين بغير امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير، لأن تعبير الطبيعة الواحدة هو أصدق تعبير عن "الاتحاد الطبيعى" الذى علّمه القديس كيرلس فى رسالته الثالثة إلى نسطور والتى قبلها كلٌ من مجمع أفسس ومجمع خلقيدونية.
وكان الجانب الخلقيدونى يرغب فى نبذ الأوطاخية بتأكيد عقيدة وتعبير الطبيعتين غير المنفصلتين أو المتجزئتين لتأكيد استمرار وجود الطبيعتين وعدم تلاشيهما فى الاتحاد، ولتأكيد عدم تلاشى الفرق فى خصائص الطبيعتين بسبب الاتحاد بينهما.
ربما كان كل جانب مكمّلاً للجانب الآخر فى تعبيره عن الحقيقة الواحدة؛ فالذين قالوا بالطبيعة الواحدة المتجسدة من طبيعتين أضافوا "بغير امتزاج ولا تغيير" لنفى الأوطاخية والذين قالوا بالطبيعتين أضافوا "بغير انفصال ولا تقسيم" لنفى النسطورية. وقد تكلم الجانبان عن حقيقة واحدة هى أن السيد المسيح كائن واحد إلهى-إنسانى، أى تكلموا عن كينونة واحدة من جوهرين قد اتحدا فى المسيح والواحد.
فالذين عبّروا بالطبيعة الواحدة المتجسدة قصدوا التعبير عن حالة الكينونة بأنها واحدة. والذين عبّروا بالطبيعتين قصدوا التعبير عن حقيقة استمرار الكينونة للطبيعتين.
فى المفهوم اللاخلقيدونى | فى المفهوم الخلقيدونى | |
↓ | ↓ | |
الطبيعة تعبير عن حالة الوجود | الطبيعة تعبير عن حقيقة استمرار الوجود |
بتعبير آخر، البعض تكلم عن حالة الوجود والبعض الآخر تكلم عن حقيقة استمرار الوجود، ولأنهم استخدموا التعبير نفسه، وهو "الطبيعة"، فقد اختلفوا معاً.
فالذين قصدوا "حالة الوجود" قالوا "طبيعة واحدة" والذين قصدوا "حقيقة الوجود" قالوا "طبيعتين" والدليل على ذلك أن الطرفين قد قبلا معاً أن الطبيعتين لا يمكن التمييز بينهما إلا فى الفكر فقط. وهذا معناه أنه لا يمكن التمييز بينهما فى الواقع بل فى الخيال والتأمُّل. ولا يعنى ذلك إلغاء حقيقة وجودهما، بل إلغاء حالة وجودهما فى غير اتحاد.. والوحدة هى أصدق تعبير عن "الاتحاد الطبيعى" enwsiV fusikh. لذلك فإن تعبير الطبيعتين بدون تعبير الطبيعة الواحدة المتجسدة لا يعبّر عن حقيقة الاتحاد.
على هذا الأساس تم الاتفاق بين الجانب الخلقيدونى والجانب اللاخلقيدونى فى الحوار الأرثوذكسى فى دير الأنبا بيشوى بمصر (يونية 1989) وفى شامبيزى بسويسرا (سبتمبر 1990). فقد قبل كل من الجانبين التعبير اللاهوتى للآخر، معترفاً بأرثوذكسيته. واتفق الجانبان أن كلمة الله هو هو نفسه قد صار إنساناً كاملاً بالتجسد مساوياً للآب فى الجوهر من حيث لاهوته، ومساوياً لنا فى الجوهر من حيث ناسوته-بلا خطية. وأن الاتحاد بين الطبائع فى المسيح هو اتحاد طبيعى أقنومى حقيقى تام بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال. وأنه لا يمكن التمييز بين الطبائع إلا فى الفكر فقط. وأن العذراء هى "والدة الاله" qeotokoV مع حرم كلاً من تعاليم كل من نسطور وأوطاخى وكذلك النسطورية الخفية التى لثيئودوريت أسقف قورش. لعل هذا الاتفاق يكون هو أساس للوحدة بين الفريقين..
وقد وافق الجانبان على تبادل رفع حروم وإدانات الماضى ضد كل الآباء والمجامع الخاصة بالعائلتين.
إن صعوبة تعداد سبع مجامع مسكونية بالنسبة للكنائس الأرثوذكسية الشرقية ينبع من الإدانات والحروم التى أقرها كل من المجمع الرابع والسادس والسابع للخلقيدونيين ضد الآباء القديسين للأرثوذكس الشرقيين (أمثال البابا ديسقوروس السكندرى، والبطريرك ساويرس الأنطاكى، والقديس فيلوكسينوس المنبجى).
إن معنى الفقرة الثامنة من الإتفاقية اللاهوتية فى شامبيزى، بتاريخ سبتمبر 1990، هى أن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية سوف تعتبر تعاليم كل المجامع الأرثوذكسية، كما يفسرها الجانب الأرثوذكسى، فى إتفاق مع السبع فقرات السابقة للإتفاقية، أنها صحيحة. بدون هذا التفسير كيف يستطيع الأرثوذكس الشرقيون رؤية تعليم المجمع الرابع أنه تعليم صحيح؟!!
لا يستطيع أحد أن ينكر أن المجمع الخامس قدم تفسيراً جديداً لتعليم المجمع الرابع كما سبق وأوضحنا.
لهذا السبب فإن بعض اللاهوتيون الأرثوذكس يسمون "خلقيدونيون جدد" حيث أنهم يفسرون مجمع خلقيدونية فقط من منظور المجمع الخامس. وبالنسبة لهذا التفسير الذى صححت صياغته فى الفقرات السبع الأولى للإتفاقية الكريستولوجية فى شامبيزى عام 1990م فإن رد فعل الأرثوذكس الشرقيون إيجابياً.
أما بالنسبة للمجامع الأربع التالية للأرثوذكس فمن الممكن إعتبارها مجامع محلية خاصة بعائلتهم الكنسية.
نفس القاعدة تنطبق على مجمع أفسس الثانى عام 449م والذى لم يفرض الأرثوذكس الشرقيون على أى كنيسة قبوله كمجمع مسكونى على الرغم من كونه كان دفاعاً عظيماً ضد إنتشار النسطورية وقد دافع عنه القديس ساويرس الأنطاكى.
وكذلك لم يفرض الأرثوذكس الشرقيون على أى كنيسة قبول مجمع أفسس الثالث 475م كمجمع مسكونى، حضره 500 أسقف ورأسه البابا تيموثاوس الثانى السكندرى. وكان منشوره الخاص بالإمبراطور باسيليكوس وشجع على كتابته بواسطة البابا تيموثاوس الثانى وعمل مسودته الراهب المثقف بولس، قد تم توقيعه بواسطة كل من تيموثاوس الثانى وبطرس القصار وأنسطاسيوس أسقف اورشليم وبولس أسقف أفسس بالإضافة إلى سبع مائة أسقف شرقيين. علاوة على ذلك فإن الأساقفة الشرقيون وجهوا رداً إلى باسيليكوس يؤكدون فيه إيمان مجمع نيقية كما تدعمه المجامع الثلاث السابقة فى أعوام 381 و 431 و 449، حيث يدان المقدونيون والنساطرة بالإضافة إلى كل من يعتبر أن الرب يسوع المسيح كان جسده مجرد ظهور وأنه نزل من السماء. ([1]) فيقول المنشور: "حيث أن طومس لاون ومجمع خلقيدونية قدما بدعة فى الإيمان، لذلك يجب حرم كليهما فى كل مكان. وبنفس الطريقة يجب حرم هرطقة من لا يعترفون بأن إبن الله الوحيد بالحقيقة صار جسداً واتخذ الطبيعة البشرية من الروح القدس ومن مريم القديسة الدائمة البتولية والدة الإله، بإدعاء أنه إما نزل من السماء أو كان خيالاً وظهوراً." ([2])
من الواضح أن الهرطقة الأوطاخية قد تم حرمها فى هذا المنشور الذى وقَّع عليه مجمع أفسس الثالث عام 475م.
[1] Cf. Samuel, V.C. p. 105, quoting Zacharia, Ecclesiastical History, op. cit. 1, pp. 213, 215.
[2] For the encyclical of Basilicus, see Evagrius III, 4 in PG LXXXVI 2600A-2604B. Zacharia gives only part of it (ibid, I, pp. 211-213). Coleman-Norton includes it as document 542.
تعليقات
إرسال تعليق