القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة

أنت يا أخي أمام الله باستمرار، ليس فقط في وقت الصلاة أو في دور العبادة، بل أنت أمامه في كل مكان وفي كل حين، في مكتبك ووقت العمل، وفي الشارع، وفي البيت، وحتى في حجرتك المغلقة. نعم أنت أمام الله الذى يَرى ويَسمع ويلاحظ.

+ من المُلاحظ عملياً في أخطاء الناس، أن أي شخص يخطئ قد يستحي أن يخطئ أمام الناس، أو أمام أحد من محبيه لئلا تتغير ثقته عنه، أو حتى أمام أعدائه حتى لا يعيروه بذلك الخطأ. ولذلك يفضل الخطاة أن يرتكبوا أخطاءهم في الخفاء، أو في الظُّلمة حتى لا يراهم أحد. ولذلك قيل عنهم إنهم " أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم شريرة ". فإن كان الخطاة يخجلون أن يخطئوا أمام البشر أمثالهم، أفلا يخجلون من إرتكاب الخطية أمام الله الذى يراهم؟! يقيناً إنهم لو شعروا ـ أثناء خطيئتهم ـ أنهم يفعلون ذلك أمام الله، لخجلوا وخافوا، إلاَّ لو كانت درجة محبتهم للخطية، أو درجة استهتارهم، أقوى بكثير من الشعور بالوجود أمام الله. أو أن الخطاة ينسون أنهم أمام الله، أو يحاولون أن ينسوا ذلك، أو أنهم يبعدون عن ذهنهم أثناء الخطية كل فكر يختص بالله وبوصاياه. لذلك فإن الشيطان وهو يقود إنساناً إلى الخطية، يُنسيه اسم الله بالكلية، ويُنسيه وصاياه. وكما قال أحد الآدباء: إن الخطية تسبقها الشهوة أو الغفلة أو النسيان.

+ لذلك نقول للخاطئ: إن كانت خطيتك بالعمل، إخجل من الله الذى يراك. وإن كانت خطية لسان فإخجل من الله الذى يسمعك. وإن كانت الخطية بالفكر أو بمشاعر القلب، إخجل من الله فاحص القلوب وقارئ الأفكار. نعم إخجل من الله الذى يقول لك في أعماقك: " أنا عارف أعمالك ".

عليك أن تخجل أيضاً من الملائكة التى تراك وتسمعك والتى تحيط بنا باستمرار. وفي كثير من الخطايا البشعة التى لا يحتمل الملائكة رؤيتها أو سماعها، وقد يحدث أنهم يتركونك، فتلتف حولك الشياطين وتتعبك.

عليك أن تخجل أيضاً من أرواح القديسين وهم يرونك. إخجل من أرواح أقربائك وأصحابك وزملائك الذين انتقلوا من عالمنا، وهم يرون ما تفعله وما تقوله. وبعضهم كان يثق بك جداً، وما كان يتصوَّر أنك تُخطئ هكذا! وكل أولئك مندهشون جداً مما يحدث منك!

+ وإلى جوار عنصر الخجل يوجد عنصر النسيان: ففى وقت إرتكاب الخطية تنسى أنك أمام الله، وتنسى أنك بالخطية تكون في حالة إنفصال عن الله بالفكر والقلب، وأنك في حالة عدم شعور بوجود الله، وعدم شعور بقدسيته، وبنسيان كامل وصاياه. وتكون أيضاً في حالة نسيان للأبدية ولدينونة الله العادلة. وفي الواقع أنت أمام الله الديان العادل، ليس في السماء فقط، وإنما أيضاً هنا على الأرض.

+ وفي غير موضوع الخطية، فإن الذى يدرك أنه أمام الله، لاشكَّ أنه يشعر بخشوع أمامه. فنخشع أمام قوة الله، وأمام لاهوته، وأمام قدسيته. ومن هنا يكون الشخص في حالة تواضع. فإن الذى يحيط نفسه بالعظمة، ويمشي في الأرض مرحاً، ويتكبَّر في علاقته مع الآخرين ... لا شك أنه لا يشعر أبداً أنه أمام الله الذى يرفض هذا التعاظم وهذه الكبرياء. وذلك مهما حصل الإنسان على مناصب أو درجات. وأذكر أنني قلت مرة في بعض أبيات الشَّعر:

قُل لمِنَ يعتز بالألقاب إن

أنت في الأصل تراب تافه

صاح في فخره مَن أعظم مني

هل سأنسى أصله مَن قال إنى

ولذلك يا أخى لا تجلس بكبرياء ولا تمشي بكبرياء، ولا تُكلَّم أحداً بكبرياء. لأنك في كل ذلك أمام الله الذى لا يُسر بتعظمك. بل عليك أن تقول في صلاتك: أنا أخجل أمامك يارب من أن أُعامل الناس بكبرياء أو بعظمة أو بسُلطان، ناسياً إنني تراب ورماد، وأنهم خليقتك ورعيتك.

وبنفس الوضع يكون الإنسان الحكيم متواضعاً أمام الله في صلاته. فيقول له: مَن أنا يارب حتى أقف أمامك، أو أتحدث إليك؟! أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الأجناد السمائية ... هذا بعكس الذين في صلواتهم قد يشعرون بالبِرِّ لأنهم أتقياء ويصلون! بل إن الذي يشعر في الصلاة أنه أمام الله القدوس البار، الذى لا حدود لقدسيته ولبِرِّه، إنما يشعر بهذا المُصلِّي بخجل شديد في أنه يقف أمام الله ناسياً خطاياه الكثيرة التى نجَّس القلب بها. لذلك فإنه يعترف بإنه أخطأ أمام الله ولم يخجل! وأنه أخطأ كثيراً ثم تجرَّأ أن يقف أمام الله ويُكلِّمه ناسياً ما فعله من أخطاء!

+ إن الذى يشعر أنه أمام الله، لابد أن يكون حريصاً جداً في معاملاته مع الناس. وهو يشعر أنه أمام الله الذى ستر عليه ولم يكشفه في كل ما ارتكب من خطايا. لذلك يحرص أنه يستر على باقى الناس، ولا يُشهّر بنقائصهم أو بخطاياهم. لأنه بإدراكه أنه أمام الله، يقول له: كما سترت عليَّ يارب ينبغي أن أستر على غيري. وكما غفرت لي، ينبغى أن أغفر لغيري إساءتهم. ولا أحكم على أفعال الناس، لأنني إنسان محكوم عليَّ منك، الذى يعرف كل أعمالى في العلن وفي الخفاء.

+ وفي الضيقة أيضاً ينبغى أن ندرك كل متضايق إنه أمام الله الذى يهتم به، والذى هو قادر على أن يُنقذه ويُنجِّيه. إن مشكلتنا في الضيقات أننا لا نرى إلاَّ الضيقة، ولا نرى الله الذى يحمينا منها! والواقع أن الله كما يرى خطايانا، يرى أيضاً متاعبنا. ولذلك في الضيقة ينبغي أن تدرك أنك أمام الله الحافظ والراعى والمُعين والمُنقذ. وبهذا تطمئن ويملك السلام على قلبك مهما حدث.

+ إن شعورنا أننا بإستمرار أمام الله الذى يضبط حياتنا كضابط للكل، ويراقبها، هذا يجعلنا أكثر احتراصاً في حياتنا، لا نتسيب في شيء ولا نخطئ. مؤمنين أن الله يرى كل ما نفعل، ويسمع كل ما نقول، ويطَّلع على أفكارنا ومشاعرنا، وكل تفاصيل حياتنا مكشوفة أمامه ... وفي نفس الوقت هو ليس فقط يراقبنا، وإنما أيضاً يُعيننا.

بهذا الإيمان نحيا، واضعين أمامنا في كل حين وفي كل مكان أننا أمام الله.

reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات