القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة

تكلَّمنا في العدد الماضي عن محبتنا لله. ونوِد اليوم أن نذكر بعض الأسباب التي تقودنا إلى محبة الله. ولعل من أولها تذكار إحساناته إلينا وإلى أحبائنا.

وهذا أمر واضح. فإنك إن تذكرت جميل إنسان عليك، أو إنقاذه لك، أو وقوفه إلى جوارك في ضيقاتك، لابد ستحبه. وإن استمر في ذلك فسوف تتعمَّق محبته في قلبك ... فكم بالأولى إحسانات الله التي لا تعد!! وهذا الأمر اختبره داود النبي فقال في أحد مزاميره: " باركي ( سبحي ) يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته ".

+ وأوَّل إحسانات الله إليك إنه خلقك، أي منحك نعمة الوجود. خلق التراب أولاً، ثم جبلك من هذا التراب. وأتذكَّر إنني قلت بضعة أبيات في هذا الأمر هى:

يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طرّا

أنت أصلي، أنت يا مَن أقدم من آدم عمراً

ومصيري أنت في القبر إذا وُسّدتُ قبراً

على أن كرم الله لم يكتفِ بأن يمنحك الوجود، بل أضاف إلى ذلك عقلاً منحه إياك، بما يحمل هذا العقل من إمكانيات التفكير والفهم والاستنتاج والذكاء، وقدرة هذا العقل على الاختراع والإنشاء وأمور عالية جداً. ولكن الإنسان للأسف الشديد بدلاً من أن يشكر الله على كل هذه الإحسانات، فإنه يتكبَّر ويتعالى ويقول: أنا ... أنا ... وعن هذا الأمر قلت في بعض أبيات من الشعر:

قُل لِمَن يعتــز بالألقاب إن

أنت في الأصل تراب تافه

صاح في فخــره مـن أعظم مني

هل سينسى أصله مَن قال إني.؟!

إن الذي ينسى إحسانات الله هو الذي يفتخر بذاته وبمواهبه ... سواء كان له عقل أو ذكاء أو حكمة، أو جمال وجه أو جمال صوت، أو مواهب فنية أو حتى جمال خط ... مع مواهب أخرى روحية، وما أعطاه الله من نعمة في أعين الناس، ومحبته في قلوب الآخرين... والأولى أن يتذكَّر أن كل هذه هى من إحسانات الله إليه. عليه أن يشكر الله ويحبه الذي منحه كل ذلك. ويقول في صلاته: كم أحبك يارب من أجل هذه النِّعم التي أعطيتني إيَّاها! أو كم ينبغي أن أحبك.

وأيضاً تحب الله من أجل إحساناته إلى أصدقائك وزملائك وأحبائك، بل من أجل إحساناته أيضاً إلى الوطن وإلى بلادها كلها ... فمن العجيب أننا في الكوارث، نذكر من حلَّت بهم المصائب فنحزن ونتضايق. وفي نفس الوقت لا نذكر أحباءنا ومعارفنا الذين أنقذهم الرب من ذلك وخلَّصهم بوسائل تكاد تكون ضمن المعجزات.

+ لذلك إجلس إلى نفسك وتذكَّر إحسانات الله إليك، منذ ولادتك وإلى الآن. اذكر إنقاذه لك من أمراض أصبت بها ومن أمراض أبعدها عنك، وكان يمكن أن تصاب بها ... إنقاذه لك من مشاكل ومن ضيقات ومن أناس أشرار ومؤامرات دبروها ضدك ... وأشكر الله من أجل كل ذلك.

اذكر أيضاً ستر الله عليك في خطايا ارتكبتها، لو عرفها الناس ما كانوا يحترمونك. ولكن الله الذي يعرف خطاياك كلها، والتي لا يعرفها أحد غيره، مع ذلك يستر ويغفر.

+ بل إن إحسانات الله إليك قد سبقت ولادتك أيضاً: فكان من الممكن أنك لا تولد، ولا تأتي إلى عالم الوجود، لأي سبب يتعلَّق بأبيك أو بأمك. وكان ممكناً أن ترث وأنت جنين بعض الأمراض، أو بعض النقائص. ولكن الله حفظك منها جميعاً. ومنحك أن تولد إنساناً سوياً جسداً وعقلاً ونفساً. فهل يجوز لك أن تنسى كل هذا؟! إنك لو ذكرت جميل الله عليك في تلك الفترة، لازدت حباً له. وأُذكر أيضاً حفظ الله لك في طفولتك، وكيف أن الله جعل هذه الفترة من حياتك تمر بسلام، وأتى بك إلى هذه الساعة التي تقرأ فيها هذا المقال ... علينا أن نحب الله إذن ونشكره لأننا لا نزال أحياء، حتى هذه الساعة ... كم إجتاحت العالم أوبئة وأمراض، ونحن نجونا منها. وكم كانت البلاد أحياناً مهددة بجفاف، والرب أرسل المطر ونجى. ولا يزال الله يعطينا فرصة لنعمل من أجل أبديتنا ... علينا إذن أن نشكر الله ونحبه. لأنه لم يأخذنا من العالم، ونحن في حالة غفلة، أو متلبسين بخطيئة. الأمر الذي يسبب الهلاك في هذا العالم وفي العالم الآتي إذا كان الموت يأتي بدون توبة. قُل إذن في صلاتك: أنا أحبك يا الله من أجل طول أناتك عليَّ، وصبرك وإحسانك إليَّ، على الرغم من كثرة إساءتي إليك وكسري لوصاياك.

+ إذا أردت أيضاً أن يمتلئ قلبك بمحبة الله، لا تنسب إحساناته إلى غيره، لا تنسبها إلى الناس أو إلى نفسك ... فكثيراً ما أنجح الله عملك، فكنت تنسب النجاح إلى ذكائك وقدرتك، وتنسى الله الذي ساعدك وأعانك! وكثيراً ما كان الله يُرسل إليك إنساناً ينقذك فتنسب كل الفضل إلى ذلك الإنسان، وتنسى الله الذي أرسله إليك! ... وقد تمرض وتحتاج إلى عملية جراحية خطيرة، ويجريها لك أحد الأطباء المشهورين وتنجح العملية وتشفى. وتعزو بشفائك إلى نبوغ الطبيب وخبرته العالية، وتنسى الله الذي أمسك بيد الطبيب وقاد عقله ومنحه الموهبة ... وفي نسيانك لله وعمله، تفقد الشعور بإحسانه إليك، وتفقد سبباً تحبه به.

+ والعجيب أننا فيما ننسب الخير الذي نناله من الله إلى غيره، فإننا ننسب كل مشاكلنا إلى الله!! ... وكل مصيبة تحل بنا ننسبها إلى الله، ونعاتبه عليها. ونظل نشكو لكل أحد ونقول إن الله أهملنا، فأين رحمته إذن وحنانه؟! وقد تكون تلك المشكلة بسبب الناس الأشرار، ولكننا ننسبها إلى عدم محبة الله لنا!! وقد تكون المشكلة بسبب إهمالنا نحن أو أخطائنا، ولكننا ننسبها إلى الله أيضاً!! أما أنت يا أخي، فكل بركة تأتيك، إنسبها إلى الله، لا إلى الناس ولا إلى نفسك. وكل مشكلة تصيبك، ارجعها إلى أسبابها الطبيعية الحقيقية. ذلك لأن الله هو مصدر كل خير، ولا يأتي شر من جهة الله إطلاقاً ... إنه الذي يظل يحسن إلينا حتى إن نسينا إحساناته.

+ إن إحسانات الله تصل بنا إلى الشكر عليها. والشكر يوصلنا إلى محبة الله، وليس إلى مجرد الفرح بإحساناته وإنما نرى أن إحسانات الله دليل على محبته لنا، فنبادله حباً بحب.

reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات