الإنسان الروحي عندما يتكلم يتكلم بما يليق وبتعبيرات روحية، يقول عنه القديس يوحنا الدرجي: "فم العفيف يتكلم بالطيبات ويلذذ صاحبه ويفرح سامعيه" وإذا اختار ملابسه فهو يختار المحتشم منها، وإذا ابتهج فيعبر بطريقة تليق بمن ُدعي عليه اسم المسيح. أما الإنسان الجسداني فإنه يعبر بطريقة جسدانية، كلماته ُمعثرة .. ثيابه خليعة .. حركات جسده ليست وقورة، فإذا أراد التعبير عن سروره: رقَصَ وصفق..
بل إن الإنسان الروحي عندما يفرح، تجد الفرحة متنفساً لها في الدموع، مثل سيدة وقورة ورزينة: متى فرحت فإن دموعها تنهمر على خديها، إذ أن الدموع هي أرقى وسيلة للتعبير عن الفرح، ولكن هناك فرقاً بين دموع اليأس ودموع التعزية.
في العهد القديم كان الناس يعبّرون عن فرحهم بالرقص والطرب، ولكنهم كانوا أطفالاً في معرفة الله، مبتدئين في الحياة الروحية، تماماً مثل الأطفال الصغار الذين إذا سعدوا قفزوا وهللوا ورقصوا، إذ أن الفرحة الكبيرة داخلهم لم يحتملها جسدهم الغض الصغير فتقلّص راقصاً. مثلما يأتون حركات مضحكة ويرتدون الألوان الصاخبة من الثياب، ولكن مع تقدمهم في السن تهدأ أجسادهم قليلاً قليلاً . ولذلك نجد عدة إشارات إلى استخدام الرقص في العهد القديم، في حين لم تستخدم مرة واحدة في العهد الجديد كتعبير عن الفرح الروحي، وأتعجب كيف يقول البعض: عبروا عن فرحكم بالرب بالطريقة التي تحبونها دون حرج !!
لقد منع آباء الكنيسة منذ البداية استخدام الآلات الموسيقية في العبادة من أجل جعلها أكثر وقاراً، إذ أدركوا أن الموسيقى والإيقاعات السريعة إنما تخاطب الجسد، وفرقوا بين الطرب والتعزية الروحية القلبية، بل أن الأكثر من ذلك هو قول الآباء أن الإنسان الروحي متى ضحك فإنه لا يكشف عن أسنانه !!
وما يقال عن هذا، يقال عن العظات شديدة الحماسة، حين يضرب الواعظ على الوتر النفسي ويركز على الانفعال المؤقت للسامعين.
الإنسان الناضج روحيّاً هو شخص رزين ومتزن في كافة أوجه التعبير سواء عما يريد أو عمّا يتأثّر به.
نيافة الأنبا مكاريوس
تعليقات
إرسال تعليق