قيل أن إمبراطوراً قرر أن يبني كنيسة ضخمة لا يشترك أحدٌ غيره في نفقاتها. وكان الإمبراطور ينفق بسخاء عليها حتى تم البناء... وإذ وضعوا لوحة تذكارية عند المدخل جاء فيها اسم الإمبراطور قُبيل تدشينها وافتتاحها، لاحظ المسئولون أن اسم الإمبراطور قد اختفي ونُقش اسمان بدلاً منه. تعجب المسئولون لذلك، فانتزعوا الحجر، وجاءوا بغيره نُقش عليه اسم الإمبراطور، وتكرر الأمر ثانية ثم ثالث
سمع الإمبراطور بذلك فلبس المسوح، وصلى إلى الله أن يكشف له الأمر. ظهر له ملاك الرب وأخبره أن طفلين يستحقان ذكر اسمهما أكثر منه، لأنهما دفعا الكثير.
تساءل الإمبراطور: كيف دفع الطفلان الكثير، وقد قام هو بدفع كل النفقات؟
قال له ملاك الرب إن الطفلين محبان للَّه جداً، اشتاقا أن يقدما لبناء بيت الرب تبرعاً، لكنهما لا يملكان مالاً، إنما يحملان قلبين غنيين بالحب. لقد قرر الطفلان أن يحملا وعاءاً يملآنه ماءاً، يضعانه في طريق الجمال الحاملة للحجارة التي يُبني بها بيت الرب... كانا يتعبان طول النهار، ليقدما حبهما وجهدهما، فاستحقا هذه الكرامة!
هذان هما العاملان مع الله ولحسابه خفية! ، حقاً يحتاج بيت الرب إلى جنود خفيين، سواء كانوا أطفالاً أم شيوخاً أم شباناً أم رجالاً أم نساءاً، إمكانياتهم الحب الخالص الكثير الثمن!
بيت الرب لا يبنيه الكاهن وحده ولا الشمامسة، بل كل عضو حيّ! حينما استصغر إرميا النبي نفسه سمع الصوت الإلهي: "لا تقل إني ولد، أنا أكون معك" (إر1). لا تقل إني أصغر من أن أساهم في بيت الرب، فالله يعمل بالكثير كما بالقليل ليخلص على كل حالٍ قوماً.
لا تنشغل بكثرة إمكانياتك أو عدمها... فالله الذي خلق اللسان تكلم خلال فم موسي الذي اعتذر بثقل لسانه (خر3)
أذكر في الستينات جاءتني سيدة من بني سويف وكان زوجها زميلاً لي في العمل قبل الكهنوت... قالت لي: أريد أن ابني كنيسة في الإسكندرية باسم الملاك ميخائيل، ثم قدمت لي مبلغ 120 جنيها، قائلة: خذ هذا المبلغ لتبني به الكنيسة... أخبرت أبانا بيشوي كامل بالأمر فدهش هو أيضاً وأخذ المبلغ وحفظه... ولم تمضِ إلا شهور قليلة وبطريقة غير طبيعية بُنيت كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بمالها!
أتريد أن تبني كنيسة المخلص؟ استمع إلى كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم إذ يقول: "علموا الذين في الخارج أنكم كنتم في حضرة الله، كنتم مع الشاروبيم والسيرافيم وكل السمائيين". يطالب القديس كل رجل أن يبني بيتاً للرب في قلب زوجته، وكل زوجة في قلب رجلها، وكل عبد في قلب سيده... بالحياة الإنجيلية المملوءة حباً وفرحاً وتهليلاً ينضم إلى الرب كل يوم الذين يخلصون.
بالحب الصادق الناضج المملوء اتضاعاً نقيم بيتاً للرب في قلوب كثيرة، ولا يقف السن عائقاً، ولا المركز أو الإمكانيات أو المواهب!
ماذا نقدم في بيت الرب؟ اكتفي هنا بكلمات العلامة أوريجينوس التي اقتبستها في كتاب: "الكنيسة بيت الله": [أهلني يا ربي يسوع المسيح أن أساهم في بناء بيتك... مسكن الرب الذي يريدنا أن نقيمه هو القداسة... بهذا يستطيع كل إنسانٍ أن يقيم للَّه خيمة داخل قلبه... في الخيمة يشير القرمز والإسمانجوني والكتان النقي... إلى تنوع الأعمال الصالحة. يشير الذهب إلى الإيمان، والفضة إلى الكرازة (مز6:12)، والنحاس إلى الصبر. والأخشاب التي لا تسوس إلى المعرفة التي يتمتع بها المؤمن في خلوة البرية، والعفة الدائمة التي لا تشيخ. يشير الكتان إلى البتولية، والأرجوان إلى محبة الاستشهاد، والقرمز إلى ضياء المحبة، والإسمانجوني إلى رجاء ملكوت السماوات. بهذه المواد تُقام الخيمة.
ليكن للنفس مذبح في وسط القلب، عليه تُقام ذبائح الصلاة ومحرقات الرحمة، فتذبح فوقه ثيران الكبرياء بسكين الوداعة، وتُقتل عليه كباش الغضب وماعز التنعم والشهوات... لتعرف النفس كيف تقيم داخل قدس أقداس قلبها منارة تضيء بغير انقطاع.
تعليقات
إرسال تعليق