وحَّد الإمبراطور الاقتراحين الأول والثانى، فأكد عزل كل من نسطور وكيرلس وممنون، وفى نفس الوقت أرسل يوحنا وهو أحد كبار رجال الدولة الرسميين (أمين خزانة الدولة) إلى أفسس، لنشر الحكم ولتوحيد الأساقفة المفترقين. تم توجيه المرسوم الذى أعلن فيه هذا القرار ([1]) إلى جميع رؤساء الأساقفة والأساقفة البارزين الذين كانوا قد استلموا دعاوى خاصة إلى مجمع أفسس...
لا يجب أن نتعجب من أن الإمبراطور قد نطق بالحكم بعزل القديس كيرلس، لأنه هو نفسه كان عديم البصيرة والفهم اللازم للمسائل اللاهوتية، وإلا لما كان قد وضع نسطور تحت ظل حمايته فى أول الأمر، ثم فى فترة لاحقة، أوطاخى المضاد له. أما الأنطاكيون، وحتى المحافظين منهم وذوى المكانة الرفيعة مثل ثيؤدوريت أسقف قورش، فقد عملوا كل ما بوسعهم لاتهام عقيدة كيرلس بالأبولينارية، وتصرفاته بالظلم والانفعالية. فقالوا: "مثل خاله ثيؤفيلوس الذى اضطهد القديس يوحنا ذهبى الفم بسبب بُغضه الشخصى، هكذا يفعل كيرلس ضد نسطور. فهو يختمه بسمة الهرطقة من أجل أن يحطمه." (†)
وسادت مثل هذه الاتهامات، إلى حد ما، حتى بين لاهوتيى الأرثوذكس، كما نرى من رسائل الأب القديس ايسذوروسIsidore أسقف بلوسيوم Pelusium (بجوار الإسكندرية) إلى القديس كيرلس، ([2]) حيث يذكر بوضوح أن هذه الشكاوى نشأت عن الجانب الأنطاكى فى أفسس. (†) فلا عجب إذا كان الإمبراطور ثيئودوسيوس الثانى الذى لم يتمتع بعقلية جبارة قد اقتيد إلى الخطأ، خاصة وأن مبعوثه كانديديان، كان متفقاً تماماً مع الأنطاكيين. ومع ذلك فإن مرسومه كان له جانب أكثر شمولاً يستحق الاهتمام. فبعد الطريقة الدبلوماسية الماكرة، تم تجاهل الوضع الحقيقى للأمور، ألا وهو الوجود الفعلى لمجمعين متعارضين فى أفسس. فقد عرض الأمر بطريقة توحى بأن جميع الأساقفة الموجودين فى أفسس متحدون فى مجمع واحد، وقد عزلوا نسطور من جانب ومن جانب آخر عزلوا كيرلس وممنون، كما لو كانوا متفقين على الإيمان الأرثوذكسى، حتى أنه لا يوجد شئ آخر ينبغى عمله، إلا تهدئة العداوة القليلة التى لازالت قائمة، ثم يفترقوا بعد ذلك فى سلام. ومن أجل بلوغ هذا السلام، قام الإمبراطور بنفسه بحث المجمع على ذلك، كما أرسل فى الوقت نفسه رسالة إلى المجمع بنفس الغرض، من الأسقف أكاكيوس أسقف بيرويا Beroea (حالياً حلب) فى سوريا، البالغ من العمر أكثر من مائة سنة، وهو رجل له مكانته الرفيعة، وحيث إنه لم يتمكن من الحضور شخصياً، ولكنه أراد أن يرسل مشورته ورأيه.
اتجه المبعوث الجديد يوحنا إلى أفسس بهذه الرسالة من الإمبراطور، وتلك التى من الأسقف أكاكيوس وقد وصل هناك فى أوائل شهر أغسطس. ([3]) كما تتفق جميع الآراء. وقد كانت هناك مخاوف عظمى من أن قضية الأرثوذكسية فى خطر، ولكن كيرلس سعى إلى إخماد هذه الفكرة بواسطة عظة ألقاها، غالباً أمام أساقفة المجمع، فيها أشار إلى أن الاضطهادات والمضايقات دائماً تساهم فى خير (صالح) الأبرار (†). ([4]) وفى نهاية هذه العظة، كتبت ملاحظة بأنه ألقاها قبل القبض عليه، الذى تم بأمر المبعوث الجديد الكونت يوحنا، الذى أبلغ الإمبراطور بخصوص إجراءاته فى أفسس قائلاً: "إنه بعد وصوله إلى أفسس مباشرة، قام بتحية الأساقفة الذين قابلهم من الطرفين، وأعلن لهم وللغائبين أيضاً، (لم يحضر كلا من كيرلس وممنون بصفة خاصة)، بأنهم ينبغى أن يجتمعوا جميعاً معاً فى اليوم التالى فى مقر إقامته. وفى نفس الوقت قرر الترتيب الذى ينبغى أن يدخلوا به، حتى لا تحدث صراعات فى اجتماع الطرفين معاً. وقد حضر نسطور ويوحنا الأنطاكى فى الصباح باكراً جداً، فى الفجر، وبعد مضى بعض الوقت حضر كيرلس والأساقفة الآخرون، ممنون فقط هو الذى لم يحضر. وقد طالب أتباع كيرلس مباشرة باستبعاد نسطور لأنه معزول بالفعل، ولذلك لا ينبغى أن تتم قراءة رسالة الإمبراطور المقدسة فى حضوره هو والشرقيين (الأنطاكيين). وفى نفس الوقت طالب الأنطاكيون بنفس الشئ بالنسبة لكيرلس وممنون، اللذين تم عزلهما أيضاً، وحدثت مناقشة طويلة وعنيفة بخصوص هذا الأمر. وبعد انقضاء جزء كبير من اليوم على هذا الحال، نجح الكونت بواسطة الإقناع تارة وبالضغط تارة أخرى، كما أقر هو نفسه بوضوح، بالرغم من معارضة طرف كيرلس، فى قراءة الرسالة الإمبارطورية، دون حضور كيرلس ونسطور، والرسالة لم تكن فى الواقع موجهة إليهما. وهكذا تم إعلان عزل كيرلس ونسطور وممنون، ووافق الأنطاكيون على ذلك، وصدقوا عليه، بينما أعلن الآخرون أن عزل كيرلس وممنون غير شرعى. ومن أجل منع حدوث إثارة أكبر، تعهد الكونت كانديديان بالتحفظ على نسطور (وقد كان مسجوناً فى ذلك الوقت)، وسلم كيرلس إلى يد الكونت يعقوبJacobus ، كما أرسل ضباط مع كبير شمامسة أفسس، إلى ممنون الغائب، ليعلنوا له أمر عزله. بعد ذلك توجه يوحنا إلى الكنيسة ليصلى، وعندما علم بأن ممنون مازال فى مقر الإيبارشية، استدعاه فوراً للمثول أمامه. ورداً على مساءلته عن سبب عدم حضوره فى الصباح، قدم ممنون عذراً غير كافٍ، حتى أنه بعد ذلك مباشرة وبموافقته، ذهب إلى مقر الكونت، وهناك تم اعتقاله وتسليمه إلى يعقوب. وأخيراً بذل يوحنا جهوداً مضنية لحض الأساقفة على السلام والاتحاد، وظل يعمل ذلك ثم يخبر الأباطرة بكل شئ له أهمية يجب أن يتم. ([5])
من رسالتين موجهتين بنبرة النصرة من الأنطاكيين إلى أتباعهم نعلم أنه قد تم فصل كيرلس وممنون عن بعضهما البعض فى حبس مشدد، وأنهما كانا مراقبين بواسطة كثير من الجنود. ([6]) ومع ذلك، فقد ناشد المجمع الأرثوذكسى فى رسالة واضحة إلى الأباطرة (فى الشرق والغرب) معلناً أن المرسوم الصادر من الكونت يوحنا قد تسبب فى اضطراب عميق، وبرهن على أن خيانة وزيفاً قد أضلت آذان الأباطرة، اللذين كانا سابقاً محبين جداً للحق. فقد عرض الأمر فى المرسوم الإمبراطورى كما لو كان المجمع نفسه هو الذى نطق بالحكم بعزل كيرلس وممنون، ولكن لم يكن المجمع المسكونى، الذى كان متحداً مع الكرسى الرومانى والرسولى ومع كل الغرب وكل أفريقيا والليركوم Illyricum هو الذى فعل ذلك، ولكن على النقيض، فالكل معجب بهذين الأسقفين بسبب غيرتهما على الإيمان الأرثوذكسى، ويؤمنون أنهما أمام الناس وأمام السيد المسيح، مستحقان لأكاليل كريمة. أما نسطور، فهو فقط المنادى بالهرطقة الجديدة الخاصة بعبادة الإنسان، وهو الذى عزله المجمع، وأنهم قد أعلموا الأباطرة بذلك من قبل. علاوة على ذلك، فقد تألموا كثيراً– وهذا أيضاً يمكن تفسير حدوثه فقط أنه كان نتيجة لخداع– أن يوحنا الأنطاكى وأتباعه، وأيضاً الكيلستيين Coelestians (البيلاجيين)، بالرغم من أنهم مدانون بواسطة المجمع المسكونى، قد حسبوا ضمن أساقفة المجمع، وأن المرسوم الإمبراطورىSacra كان موجهاً إليهم، مثلهم فى ذلك مثل باقى أساقفة المجمع. ثم تم عمل تقرير مختصر عن مسلك الأنطاكيين، وتاريخ انفصالهم عن المجمع، مع ملاحظة أنه لا يمكن قبولهم فى شركة الكنيسة، لأنهم لم يوقعوا على عزل نسطور، بل اتفقوا معه بكل وضوح، وأيضاً بسبب وقاحتهم تجاه رؤساء المجمع (من خلال حكمهم ضد كيرلس وممنون)، فإنهم بذلك انتهكوا القوانين، كما أنهم تجرأوا وكذبوا وضللوا الأباطرة. لذلك تضرع المجمع أن يعيد الأباطرة كل من كيرلس وممنون، ويعملا (إمبراطور الشرق وإمبراطور الغرب) على الحفاظ على الإيمان بثبات، هذا الإيمان الموروث عن آبائهما، والذى كان منقوشاً فى قلبيهما بالروح القدس، والمتضمن فى بيانات المجمع الصادرة ضد نسطور. أما إذا كانا يريدان أن يعرفا ما حدث بين المجمع والأنطاكيين بدقة، فيمكنهما إرسال مبعوثين موثوق فيهم. ([7]) والمعنى الخاص بالجملة الأخيرة سوف يقدم فى نصه اليونانى كما هو، لأنه وفقاً لوجهة نظر تيلمونت Tillemont التى تستحق الالتفات تترجم: "إذا أراد الأباطرة أن يعرفوا ذلك بطريقة أكثر دقة، عليهم أن يأمروا المجمع المقدس بإرسال مبعوثين موثوق فيهم (إلى القسطنطينية)"$th agia sunodw epitrepein ekpemyai k.t.l%. وهذا الظن تؤيده الاعتبارات التالية: (أ) ليس إرسال مبعوث إمبراطورى جديد إلى أفسس، إنما إرسال مبعوثين من المجمع إلى القسطنطينية فقط هو الذى يمكن أن يكون مفيداً، وبالتالى هو ما يرغب فيه المجمع (ب) لقد أقر الإمبراطور بالفعل إرسال مبعوثين من المجمع بعد ذلك (ج) وأن المجمع فى رسالته اللاحقة، أكد بوضوح أن الأباطرة قد استجابا لمطالبهم وسمحا بإرسال مندوبين. ([8])
بخصوص هذا الاقتراح الذى قدمه المجمع إلى الأباطرة، قام كيرلس بتوجيه رسالة من سجنه إلى الكهنة والشعب فى القسطنطينية، وفيها يؤكد أن الكونت يوحنا (أو المرسوم الإمبراطورى) لم يقم بعرض القضية بطريقة صحيحة، فقد نسب عزل كيرلس وممنون إلى المجمع كذباً. ولهذا السبب كان لزاماً عليهم أن يرسلوا تقريراً جديداً إلى الإمبراطور. لقد بذل المبعوث الإمبراطورى جهوداً مضنية من أجل أن يوحِّد بين المجمع وبين يوحنا الأنطاكى وأتباعه، لكن هذا لم يكن ممكناً حتى يلغى الأنطاكيون قراراتهم غير القانونية، ويتقدموا إلى المجمع كمتوسلينpetitioners ويحرِّموا عقيدة نسطور تحريرياً. وحتى يمكن الوصول إلى ذلك بطريقة أخرى، طلب الكونت من المجمع اعترافاً مكتوباً بالإيمان، لكى يجعل الأنطاكيين يوقعون عليه، ثم يعلن: "لقد أعدت وحدة المنفصلين". لكن المجمع لم يوافق على ذلك، وقالوا إنهم موجودون فى هذا المكان لا ليعطوا تقريراً بخصوص إيمانهم، إنما ليعززوا الإيمان المتأرجح، وأن الإمبراطور لا يحتاج أن يتعلم إيمانهم الآن لأول مرة، لأنه معروف لديه منذ معموديته.
وأضاف كيرلس أن الأنطاكيين لا يتفقون مع بعضهم البعض فيما إذا كانت مريم تلقب "والدة الإله" أم لا، فالبعض منهم يفضلون أن تقطع أياديهم على أن يقروا هذا التعبير. وقد عرَّف كل ذلك للقسطنطينيين، وخصوصاً رؤساء الأديرة، حتى لا يتمكن الكونت يوحنا عند رجوعه، من أن يحمل معلومات زائفة، يضلل الناس بها. فينبغى أن يستمر القسطنطينيون أيضاً فى بذل الجهود لصالح المجمع، لأنه كان هناك بعض الأساقفة فى أفسس، هو لا يعرفهم شخصياً، لكنهم كانوا مستعدين أن يذهبوا معه إلى المنفى أو حتى إلى الموت. وقد كان هو نفسه مراقباً بواسطة جنود كانوا ينامون أمام بابه، وكان كل المجمع فى حالة إنهاك شديد، وقد توفى عدد من أعضائه، وآخرون كانوا فى حالة فقر شديد حتى أنهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم ليحصلوا بمشقة على ما هو ضرورى للبقاء. ([9])
تم توجيه رسالة أخرى بواسطة أعضاء مجمع أفسس إلى الأساقفة والشعب الحاضر فى القسطنطينية، يقولون فيها أن أفسس تشبه سجن، تم حبسهم فيه لمدة ثلاثة أشهر (إذن لابد أن تكون الرسالة قد كُتبت فى نهاية شهر أغسطس أو بداية شهر سبتمبر)، حتى أنهم لم يتمكنوا من إرسال رسول بالبر أو بالبحر إلى البلاط أو إلى أى مكان آخر، وكلما غامروا بذلك، يتعرض حاملو الرسائل أنفسهم إلى مخاطر لا تحصى على حياتهم، لذلك كانوا مضطرين إلى إخفاء أنفسهم بأنواع كثيرة من التنكر. والسبب فى هذه الرقابة الصارمة نشأ نتيجة للتقارير الزائفة التى تم إرسالها من الجهات المختلفة إلى الأباطرة. فالبعض يتهمونهم (أساقفة المجمع) بأنهم سبب الانقسام، وآخرون يقولون أن المجمع نفسه هو الذى عزل كيرلس وممنون، وآخرون قد يؤكدون أن المجمع كان مستعداً أن يصل إلى اتحاد ودى مع المجمع الزائف المنشق الخاص بالأنطاكيين. ومن أجل منع كشف هذه الأكاذيب، كان المجمع مُراقباً بشدة، واستمرت الحرب بعنف ضده. فيجب على كهنة القسطنطينية إذن أن يطرحوا أنفسهم تحت أقدام الإمبراطور ويعرفوه بكل شئ. باقى محتويات الرسالة الأخرى تحوى المادة التى كان على القسطنطينيين أن يوصلوها للإمبراطور: أن المجمع لم يقم أبداً بعزل كيرلس وممنون، ولكنه يوقر كليهما بأعلى درجات التكريم، ولن ينفصل أبداً عن الشركة معهما، ومن ناحية أخرى، فإنه لن تكون له شركة مع المجمع الأنطاكى المنشق، لنفس الأسباب التى حددها المجمع بالفعل فى رسالته إلى الإمبراطور، والتى يكررونها الآن، لأنهم فى حالة الحصار هذه التى هم معرضون لها، لابد أن يشكّوا فيما إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى الإمبراطور أم لا. وفى الختام، التمس المجمع من كهنة القسطنطينية التوسل إلى الإمبراطور باسم كل أعضاء المجمع، من أجل إعادة كيرلس وممنون، وتحرير أساقفة المجمع من سجنهم، وأن يعطوا الإذن إما أن يعودوا إلى أوطانهم أو أن يمثلوا أمامه، حتى لا يفنوا جميعهم بالمرض أو بالأسى.
ومن أجل أن تكون الرسالة أكثر إيجازاً لم يوقِّع عليها جميع أساقفة المجمع إنما الرؤساء فقط –إن كان كيرلس وممنون أو جوفينال ومطران آخر- هذا أمر غير مؤكد. وقد أضيف فى ملحق (†): "إننا نُذبح هنا من الحرارة، ويُدفن شخص كل يوم تقريباً. جميع خدامنا أنهكوا ولابد من رجوعهم إلى بيوتهم. اذهبوا إذاً إلى الإمبراطور واعرضوا عليه أسى المجمع. وأخيراً تأكدوا أنه مهما كان الاستخفاف بموتنا، فمن جهة السيد المسيح لن يحدث أى شئ غير ما قد قررناه." ([10])
يبدو أن هذه الرسالة قاطعت تلك التى أرسلها الأساقفة الحاضرون فى القسطنطينية إلى المجمع بتاريخ 13 أغسطس. وقد عبروا فيها عن تعاطفهم الحى مع أحزان أعضاء المجمع، وأكدوا لهم أنهم يشعرون بالالتزام بالحضور شخصياً إلى أفسس، ولكن الطريق بالبحر والبر مغلق أمامهم. ومع ذلك فإنهم يعملون من أجل المجمع فى القسطنطينية، ويشعلون حماس الكثيرين، ويقودون عقول الناس إلى الانحياز له. ولذلك طلبوا من المجمع أن يعرفهم ما الذى يجب عليهم عمله، وعما إذا كان ينبغى عليهم الحضور إلى أفسس من أجل مشاركتهم فى صراعهم وآلامهم. ([11])
أما أسماء هؤلاء الأساقفة فقد تم التعرف عليها من الرد الذى أرسله المجمع إليهم، وهم افلاليوس Eulalius ، افريخيوس Eurechius، وأكاكيوس Acacius، وكريسافيوس Chrysaphius، وارمياJeremias ، وثيئودولTheodule، وأشعياء Isaia. وقد عرَّفهم أعضاء المجمع بفرحتهم الشديدة لهذا التعاطف، وعرفوهم مرة أخرى بتقدم الأحداث وبأحوالهم الخاصة، وطلبوا من الأساقفة أن يبقوا فى القسطنطينية، حتى يُعرِّفوا الإمبراطور بحالة المجمع من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يعرفوا المجمع بما يحدث فى القسطنطينية. ولأنه كانت هناك مخاوف من أن الأساقفة لم يخبروا بالرسائل السابقة، لذلك أرفقت نسخ منها، وفى نفس الوقت أرفق تقرير آخر موجه إلى الإمبراطور. والآن يستطيع الأساقفة، فى حالة ما إذا كان الأباطرة قد استلما التقرير السابق، أن يذكِّروهما به، وإن لم يكن فسوف يعرف الأباطرة من الأساقفة ما أخفى عنهما بالخداع. ([12])
فى هذه الرسالة الثانية ترجى أعضاء المجمع بلجاجة أن يتحرروا أخيراً من أحزانهم، وأن يعاد إليهم رؤساؤهم كيرلس وممنون، وقد عززوا مناشدتهم هذه بسرد قصير ومُفصَّل عن الطريقة والأسلوب التى بها انفصل الأنطاكيون عن باقى الأساقفة، وكيف اتحد الذين لهم الآراء النسطورية مع يوحنا الأنطاكى. وفى نفس الوقت، قرب نهاية الخطاب، كانت هناك ملاحظة حقيقية: إنه إذا أكد الأباطرة عزل نسطور كما حدث بالفعل، سوف يكون ذلك بالتأكيد متضارباً وغير منسجم مع موافقتهم على ما يفعله أصدقاء نسطور، من أجل الانتقام له. وقد وقَّع على هذه الرسالة جوفينال أسقف أورشليم، الذى كان هو رئيس المجمع منذ أن تم حبس كيرلس. ([13])
آخر وثيقة تم إرسالها من جانب الأرثوذكس فى أفسس هى رسالة قصيرة من كيرلس إلى الأساقفة الثلاثة ثيئوبمبتوسTheopemptus، وبوتامون Potamon، ودانيال الذين أرسلهم المجمع فى مرحلة سابقة، إلى القسطنطينية. فى هذه الرسالة يقول إن عدداً من التهم الزائفة قد وُجهت إليه، بأنه قد أحضر معه خداماً ونساءً من الأديرة، وبأن نسطور قد تم عزله فقط بواسطة خداعه (كيرلس)، وليس بإرادة المجمع. ولكن السبح لله فقد تبين للكونت يوحنا زيف هذه الاتهامات، وأدان الذين اتهموه بها. وبالإضافة إلى ذلك، وكنتيجة للمرسوم الإمبراطورى Sacra، كان لايزال معتقلاً ولا يعرف إلى أى شئ يقوده هذا، ولكن كان ينبغى عليه أن يشكر الله لأنه استحق أن يُوضع فى سلاسل من أجل اسمه. (†) أما أعضاء المجمع فمن جانبهم لم يسمحوا لأنفسهم بأى حال من الأحوال أن يضلوا بأن تكون لهم شركة مع الأنطاكيين، وأعلنوا أنهم لن يفعلوا ذلك حتى يسحب هؤلاء قراراتهم الوقحة ضد رؤساء المجمع، ويعترفوا بالإيمان الصحيح، لأنهم كانوا ما زالوا نساطرة وكانت هذه هى نقطة التحول فى المناقشة كلها. ([14])
وفى نفس الوقت، أرسل كهنة القسطنطينية مذكرة إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس الصغير بالنيابة عن مجمع أفسس موجهة إليه وإلى زميله فى الإمبراطورية، وقد وضعوا فى بدايتها قبل كل شئ القول أنه يجب أن يطاع الله أكثر من الحكام، ولذلك فقد صار من الواجب أن تقال كلمة صريحة. ثم أعلنوا أن عزل كل من كيرلس وممنون بواسطة الأنطاكيين ليس شرعياً بالكلية، وأنهم يلتمسون من الأباطرة إعادة الأسقفين المستحقين وتأييد القوانين التى صاغتها الأغلبية فى أفسس (مقابل الأنطاكيين). فإن كان كيرلس قائد kaqhghth.j (كاثيجيتيس) المجمع عليه أن يتحمل أى شئ ضد ما هو حق، فإن هذا يؤثر على كل المجمع الذى اتفق معه، وينبغى معاقبة كل الأساقفة بنفس الطريقة التى عوقب بها كل من كيرلس وممنون. لكن الأباطرة محبى الله يجب أن يفكروا فى أن الكنيسة التى أعزوها كالمربية لا يجب أن تتمزق، وأن قرن الاستشهاد لا يجب أن يتجدد. ([15])
إلى هذه الحقبة أيضاً ينتمى خطاب دلماتيوس Dalmatius القصير الموجه إلى المجمع (والذى سبق ذكره)، حيث يعلن استلامه للخطابات التى وجهت إليه، ويعبر عن أسفه بخصوص وفاة بعض أعضاء المجمع، ويؤكد لهم أنه كما كان (فى الماضى) وإلى الآن فهو يتمم رغبات المجمع. ([16]) كما تم إرسال خطاب آخر من أليبيوس Alypuis أحد كهنة كنيسة الرسل فى القسطنطينية إلى كيرلس، فيه يهنئه على آلامه ويقارنه بأثناسيوس. ([17]) أما كيرلس نفسه فقد طوع وقت الفراغ الذى فرضه عليه الحبس فى صياغة شرح أوضح لحروماته الإثنى عشر التى كثيراً ما هوجمت (†). ([18])
[1] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1395; Hardouin, t.i. p. 1554.
† وهكذا فى كل زمان يفترى الهراطقة ظلماً على حماة الإيمان. وإلى يومنا هذا هناك من يردد نفس الكلام ضد القديس كيرلس العظيم. وإليك هذا القول للقديس كيرلس الذى عبر فيه عن مشاعره: "أنا أحب السلام، ولا أكره شئ أكثر من النزاع والعراك. إننى أحب الجميع وإن كان يمكننى أن أشفى أحد الأخوة بأن أفقد كل ممتلكاتى وكل ما لى فلى رغبة أن أعمل ذلك بفرح لأننى أقدّر الوئام أكثر من أى شئ آخر... لكن هناك خلاف حول الإيمان وفضيحة تخص كل كنائس الإمبراطورية الرومانية... لقد عهد إلينا بالإيمان المقدس... فكيف نعالج هذه الشرور؟ أنا مستعد أن احتمل كل اللوم وكل الخزى وكل الجراح فى مقابل ألا يعرَّض الإيمان للخطر، أنا مملوء بالحب نحو نسطور، ليس هناك من يحبه مثلما أحبه أنا.. إن كان –وفقاً لوصية المسيح- يجب علينا أن نحب حتى أعدائنا أنفسهم، أليس من الطبيعى أنه ينبغى أن نرتبط بعاطفة خاصة نحو أصدقائنا وإخوتنا فى الكهنوت؟ لكن حينما يهاجم الإيمان يجب علينا ألا نتردد فى تقديم حياتنا نفسها ذبيحة من أجله. وإن خفنا أن نكرز بالحق لأن هذا يسبب لنا بعض المضايقة، فكيف فى إجتماعنا نرنم لقتال ونصرة شهدائنا القديسين."
)F. Young, From Nicaea to Chalcedon, SCM Press LTD, 1983, p. 240-241.(
[2] Hefele, C.J., quoting Isidor, Pelus. Lib. I. Epist. 310, 323, 370; Baron, ad ann. 431, n.85; Mansi, t.v.p. 758, thirteen Latin letters of Isidore.
† ويعتمد كثير من كتّاب الغرب مع الأسف حتى يومنا هذا على مثل هذه الكتابات ويعتبرونها وثائق ضد القديس كيرلس الكبير عمود الدين وحامى الإيمان وهى لا تزيد عن كونها تهماً باطلة من هراطقة أو مدافعون عن الهراطقة.
[3] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1397; Hardouin, t. i. p. 1555.
† وهنا أيضاً كما فى مواقف أخرى كثيرة يتضح المستوى الروحى الرفيع للقديس كيرلس وعدم اكتراثه بأى شئ غير الإيمان.
[4] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv. p. 1367 sqq.
[5] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. P. 1397 sq.; t.v.p. 779; Hardouin, t. i. p. 1555.
[6] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.v.p. 784, 786; Hardouin, t.i.p. 1559,1560.
[7] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. P. 1434; Hardouin, t.i. p. 1591.
[8] Hefele, C.J., quoting Tillemont, Memoires, t. xiv, note 60, Sur St. Cyrille.
[9] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv.p. 1435; Hardouin, t.i.p. 1593.
† وهو يبين جزء من معاناة الآباء من أجل الحفاظ على الإيمان فنحن مدينون لهم.
[10] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1443 sqq; Hardouin, t. i. p. 1599 sqq.
[11] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1450; Hardouin, t.i. p. 1603.
[12] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1450 sqq; Hardouin, t.i. p. 1606.
[13] Hefele, C.J., quoting Mansi., t. iv. p. 1441; Hardouin, t,i.p. 1597.
† كم استهان القديس كيرلس بكل ما يحدث له فى مقابل الدفاع عن الإيمان وكم يستحق منا كل التكريم.
[14] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1447; Hardouin, t.i. p. 1601.
[15] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1453; Hardouin, t.i. p. 1607.
[16] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1258; Hardouin, t.i. p. 1446.
[17] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p. 1463; Hardouin, t.i. p. 1614.
† هذا هو الراعى الصالح الذى يفضل التعليم والإيمان على نفسه مهما كانت الظروف.
[18] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 1sqq; Cyrilli Opp. Ed. Aubert, t.vi. p. 145sqq.
تعليقات
إرسال تعليق