القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة


لم يقبل البابا لاون الأول نتائج مجمع أفسس الثانى 449م ومنح الحل الكنسى لثيئودوريت أسقف قورش[1]  وحدث أن الإمبراطور ثيئودوسيوس قد سقط من على ظهر جواده، مما أدى إلى وفاته فى 28 يوليو عام 450م
وتولت أخته بولكاريا السلطة وتزوجت من القائد مركيان، وأعلنته إمبراطوراً فى 28 أغسطس من نفس العام. وفى 15 مايو عام 451 م صدرت الأوامر الإمبراطورية بعقد مجمع عام فى نيقية. وبحلول أول سبتمبر وصل الأساقفة إلى نيقية ولكنهم أمروا أن يتجهوا إلى خلقيدونية القريبة من القسطنطينية. فاجتمع حوالى 500 أسقف فى كنيسة القديسة أوفيمية، وعقدت الجلسة الأولى للمجمع فى 8 أكتوبر عام 451م.
فى تلك الجلسة نوقش البابا ديسقوروس بشأن عقيدة أوطيخا الذى برّأه مجمع أفسس الثانى 449م؛ فقال "إذا كان أوطيخا يتمسك بمفاهيم ترفضها عقائد الكنيسة، فهو يستحق ليس العقاب فقط بل النار أيضاً (أى جهنم). ولكن اهتمامى إنما هو بالإيمان الجامع الرسولى وليس بأى إنسان أياً كان"[2].
وقال أيضاً فى نفس الجلسة من المجمع الخلقيدونى : "أنا أقبل عبارة "من طبيعتين بعد الاتحاد"[3] وهو فى تأكيده على الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة أراد أن يثبت عدم التقسيم بين الطبيعتين من بعد الاتحاد، وفى قبوله لعبارة "من طبيعتين بعد الاتحاد" أراد أن يؤكّد ما أكّده القديس كيرلس الكبير عن استمرار وجود الطبيعتين فى الاتحاد وعدم امتزاجهما.
أقر المجمع الخلقيدونى رسائل القديس كيرلس السكندرى المجمعية وطومس لاون بعد مراجعته على حروم القديس كيرلس الاثنى عشر[4]. وقد حكم بحرم وإدانة وعزل أوطيخا وبإلغاء أغلب قرارات مجمع أفسس الثانى 449م. وبعزلالبابا ديسقوروس الإسكندرى لأسباب إدارية وقانونية، وبإعادة ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها إلى رتبة الأسقفية بعد أن وافقا على حرم نسطور وتعاليمه. ولكن المجمع لم يحكم على كتابات ثيئودوريت وإيباس ضد تعليم القديس كيرلس الكبير، كما لم يحكم على ثيئودور الموبسويستى معلم نسطور ولا على تعاليمه.
وبالرغم من أن رسالة إيباس أسقف الرها إلى ماريس الفارسى والتى هاجم فيها مجمع أفسس المسكونى 431م، وتعاليم القديس كيرلس الكبير وحرومه الاثنى عشر، قد قرئت فى المجمع إلا أن المجمع لم يحكم بإدانتها[5]  مما جعل الفريق الذى رفض قرارات مجمع خلقيدونية يشعر بأن هناك تعاطفاً فى المجمع مع الجانب النسطورى. إلا أن المجمع كان قد أكّد قداسة البابا كيرلس، ولم يقبل ثيئودوريت وإيباس إلا بعد توقيعهما الحرم على نسطور.
وقد أوضح الجانب الخلقيدونى فيما بعد موقفه مظهراً رفضه للنسطورية بصورة أكيدة فى المجمع التالى للخلقيدونيين الملقب بالمجمع الخامس والمنعقد فى القسطنطينية عام 553م؛ حيث حكم هذا المجمع بحرم شخص وكتابات ثيئودور الموبسويستى، معلّم نسطور، وبحرم كتابات ثيئودوريت أسقف كورش وكذلك إيباس أسقف أديسا ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير.
وضع مجمع خلقيدونية تعريفاً للإيمان وكان أعضاء المجمع فى البداية يرفضون هذا الأمر، ولكنهم تحت إلحاح مندوبى الإمبراطور قد رضخوا فى النهاية. وكانت المسودة الأولى تنص على أن المسيح "من طبيعتين". ولكن مندوبى الإمبراطور ألحوا أن يتضمن النص "فى طبيعتين". وبعد مقاومة كبيرة على أساس أن هذه العبارة متضمنة فى "طومس لاون" الذى قبله المجمع ولا داعى لوضعها فى تعريف الإيمان، قبلها المجمع تحت إلحاح من مندوبى بابا روما وممثلى الإمبراطور.
لم يكن التعريف الذى قبله المجمع نسطورياً بل إن المجمع فى قراراته قد أكّد على حرم كل من النسطورية والأوطاخية. ولكن التعريف لم يتضمن على عبارة "الاتحاد الأقنومى" ولا على عبارة أنه "لا يمكن التمييز بين الطبيعتين إلا فى الفكر فقط" وهى العبارات الهامة فى تعليم القديس كيرلس الكبير. كما أنه وردت عبارة تحرم "كل من يعتقد بطبيعتين قبل الاتحاد وبطبيعة واحدة من بعد الاتحاد"، والمقصود بهذه العبارة هو أوطيخا وعقيدة الامتزاج بين الطبيعتين. ومن المعلوم أن الجانب اللاخلقيدونى يحرم من يقول "بطبيعتين قبل الاتحاد" لأن هذا التعبير يفترض وجود الناسوت قبل اتحاده باللاهوت، لكن هذا الفريق يقبل "من طبيعتين فى الاتحاد" و "من طبيعتين بعد الاتحاد". أما حرم من يقول "بطبيعة واحدة بعد الاتحاد" فكان يحتاج إلى توضيح، لأن هذا الحرم من الممكن أن يفسّر أنه ضد تعليم القديس كيرلس الكبير "طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله" الذى تمسك ويتمسك به الجانب اللاخلقيدونى حتى الآن، مع رفضهم التام لفكرة الامتزاج وتأكيدهم على استمرار وجود الطبيعتين فى الاتحاد.
هذه الأمور العقائدية التى أدت إلى رفض البابا ديسقوروس مجمع خلقيدونية، ورفض مجموعات عديدة فى الشرق -بما فى ذلك الشعب المصرى- لهذا المجمع، وقد حاول مجمع القسطنطينية عام 553م  أن يعالجها باستخدام عبارات القديس كيرلس الكبير "الاتحاد الأقنومى" و"لا يمكن تمييز الطبيعتين إلا بالفكر فقط" وبشرح معنى رفض من يعتقدون بطبيعة واحدة على أساس الامتزاج. ولكن ظل الخلاف بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين حول عبارة "فى طبيعتين" و "من طبيعتين".
فى مجمع خلقيدونية وافق الأساقفة المصريون الأربعة عشر الحاضرون على حرم أوطيخا ولكنهم لم يقبلوا التوقيع على قرارات المجمع ولا على طومس لاون. وحدثت اضطرابات كبيرة فى الشرق بسبب قرارات مجمع خلقيدونية ومع تغيير الأباطرة كانت الظروف تتغير.
وانتخب فى 16 مارس 457م فى الإسكندرية البابا تيموثاوس الثانى (الشهير بأوريلُّوس) خليفة للبابا ديسقوروس بعد وفاته، وتمكن فى عهد الإمبراطور "باسيليسكوس" من عقد مجمع عام  آخر فى أفسس سنة 475م (يلقبه البعض مجمع أفسس الثالث) حضره 500 أسقف. هذا المجمع حرم تعاليم أوطيخا وتعاليم نسطور ورفض مجمع خلقيدونية. وقد وقّع على قرار هذا المجمع 700 أسقف شرقى[6]. وقد أوضح موقف البابا تيموثاوس من خلال المجمع أن الجانب الرافض لمجمع خلقيدونية لم يكن بالضرورة أوطاخى المعتقد كما اتهمه، فى أغلب الأحيان، الجانب الخلقيدونى.
وفى عهد الإمبراطور زينو حدثت محاولة للوحدة على أساس مرسوم الاتحاد الهينوتكون Henotikon الذى صدر فى 28 يوليو عام 482م، والذى وقّع عليه على التوالى أكاكيوس بطريرك القسطنطينية، وبطرس منجوس بطريرك الإسكندرية، وبطرس القصار بطريرك أنطاكيا فى عام 484م، ومارتيريوس بطريرك أورشليم. ولم تشترك روما فى هذه الوحدة بل عقد بابا روما فيلكس الثالث مجمعاً وقطع (من الشركة) أكاكيوس بطريرك القسطنطينية. وفى مصر حدثت مقاومة شديدة وتكونت جماعة "الذين بلا رئيس" Acephlists ولم يتمكن مرسوم الاتحاد Henotikon من الحفاظ على الوحدة التى بدأت بتوقيع بطاركة الكراسى الشرقية الأربعة عليه[7].

[1] V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon Re-Examined, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977, P.69
[2] Ibid, p.51
[3] Ibid., p.55
[4] C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, Vol III, p.345 AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883 Edinburgh
[5] V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon Re-Examined, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977, P.84
[6] Ibid.101-105
[7] Ibid.108-114
reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات