كيرلس يهدى التحيات فى الرب إلى سيدى وأخى المحبوب وشريكى فى الخدمة الكهنوتية، يوحنا([1]).
"لتفرح السموات ولتبتهج الأرض" (مز96: 11)، لأن "حاجز السياج المتوسط" (أف2: 14) قد نُقض، والحزن قد انتهى، وكل نوع من الخلاف قد أزيل، حيث أن المسيح مخلصنا جميعاً قد منح سلاماً لكنائسه. والملوك الأتقياء جداً والمحبون لله جداً قد دعونا إلى هذا، والذين قد صاروا غيورين بأقصى درجة على محاكاة تقوى أسلافهم، وحافظين الإيمان الحقيقى فى نفوسهم سالماً وبغير اهتزاز. لقد أعطوا عناية خاصة للكنائس المقدسة، لكى يكون مجدهم منتشراً إلى الأبد فى كل مكان، ويظهر ملكهم نبيلاً جداً. المسيح رب القوات نفسه، يوزع عليهم الخيرات بيد سخية، يمنحهم أن يسودوا على مقاوميهم وينعم عليهم بالنصر. لأنه لا يكذب حينما يقول "حى أنا يقول الرب، فإنى أكرم الذين يكرموننى" (1 صم 2: 30).
2- ولذلك، منذ أن وصل إلى الإسكندرية، سيدى المحبوب جداً من الله وشريكى فى الخدمة الكهنوتية وأخى بولس، قد امتلأنا بابتهاج القلب وبكل حق. مثل هذا الرجل يعمل كوسيط ويختار الدخول فى أتعاب تفوق طاقته، وذلك لكى يهزم بغضة الشيطان، ويوحِّد ما كان منفصلاً، بأن ينزع العثرات التى تسبب الانقسام كلية من بيننا، ويكلل كنائسنا وكنائسكم بالوئام والسلام. إنه من فضلة القول أن نتحدث عن الأسلوب الذى تُنزع به هذه العثرات. وإنى أفترض أنه من الخير أن نهتم وأن نتكلم بما هو ضرورى لزمان السلام. ولذلك فقد سررنا بلقائنا بالرجل المتقى لله جداً السابق ذكره، الذى ربما شك أنه سوف يلاقى صعوبة كبيرة لإقناعنا أنه يجب أن نجمع الكنائس معاً إلى السلام، ونبطل ضحك الهراطقة، ونلاشى أيضاً منخاس شر الشيطان. ولكنه وجدنا هكذا مهيأين لهذا الأمر، حتى أنه لم يبذل أى جهد. لأننا نذكر قول المخلص: "سلامى أعطيكم، سلامى أترك لكم" (يو 14 : 27). وقد تعلمنا أن نقول فى صلواتنا: "أيها الرب إلهنا اعطنا سلامك، لأن كل شئ قد اعطيتنا" (أنظر اش26: 12)، حتى أنه إذا صار أحد ما شريكاً فى السلام المعطى من الله، فإنه لن ينقصه أى صلاح.
3- ولكننا قد تيقنا تماماً، وعلى الأخص الآن، أن عدم الاتفاق بين كنائسنا قد حدث بطريقة غير لائقة، وبإفراط. إن سيدى الموقر جداً، الأسقف بولس أحضر وثيقة تحوى اعتراف إيمان غير ملوم، وأكد بقوة أن هذه الوثيقة قد صيغت بواسطة قداستكم وبواسطة الأساقفة المحبون لله جداً طرفكم. وهذه الوثيقة هى كما يلى بنفس كلماتها وهى ملحقة برسالتنا هذه:
"بدون إضافة شئ إلى إيمان الآباء القديسين الذى صيغ فى نيقية، سوف نتكلم فى كلمات قليلة، ليست إضافة بالتأكيد، لكن فى ملء اليقين كما استلمنا الإيمان منذ البداية من الكتب المقدسة ومن تسليم الآباء القديسين بخصوص ما نعتقده ونفكر فيه عن العذراء مريم والدة الإله، وعن كيفية تأنس ابن الله الوحيد. وكما سبق وقلنا فإن الإيمان الموضوع فى نيقية هو كافٍ لكل معرفة التقوى وللكرازة العلنية ضد كل تعليم هرطوقى شرير. وسوف نتكلم دون أن نقتحم بجسارة الأمور التى لا يمكن البلوغ إليها. ولكن فى اعتراف بضعفنا، نستبعد أولئك الذين يرغبون فى أن يقحموا أنفسهم فى الأمور التى يعلو الفحص فيها على الإنسان.
لذلك نعترف أن ربنا يسوع المسيح إبن الله الوحيد هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسد، وهو مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته، وأنه هو نفسه فى الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلِدَ من مريم العذراء بحسب ناسوته، وهو نفسه من الجوهر نفسه الذى للآب (أو مع الآب)، حسب لاهوته، ومن الجوهر نفسه، الذى لنا (أو معنا) بحسب ناسوته، لأنه قد حدث اتحاد بين الطبيعتين. من أجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد. وبهذا الفهم للاتحاد غير المختلط، نعترف بأن العذراء القديسة هى والدة الإله، لأن الله الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات الحمل به وَحّدَ بنفسه الهيكل الذى اتخذه منها. ونحن نعرف أن اللاهوتيين ينسبون بعض أقوال البشيرين والرسل عن الرب بأنها مشتركة بمعنى أنها تشير إلى شخص واحد، ويقسمون أقوالاً أخرى بأنها تشير إلى طبيعتين. فتلك التى تليق بالله ينسبوها إلى لاهوت المسيح، أما تلك المتواضعة فينسبونها إلى ناسوته".
4- وإذ قد قرأنا أقوالكم المقدسة هذه ووجدنا أننا نحن أنفسنا أيضاً نعتقد هكذا، لأنه يوجد "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة" (أف4: 5)، مجدنا الله مخلص الكل، مهنئين بعضنا بعضاً لأن كنائسنا وكنائسكم لها الإيمان بحسب الكتب الإلهية الموحى بها وحسب تقليد آبائنا القديسين. ولكن حينما علمت أن بعضاً من أولئك الذين اعتادوا أن يتصيدوا الأخطاء بشغف ويطنوا حول البر مثل زنابير متوحشة، كانوا يتقيأون كلمات حقيرة ضدى، كما لو كنت أقول أن جسد المسيح المقدس قد نزل من السماء وليس من العذراء القديسة، رأيت من الضرورى أن أتكلم قليلاً حول هذا الموضوع وأقول لهم: أيها الحمقى الذين تعرفون فقط أن تتهموا زوراً، كيف تجاوزتم الصواب فى الرأى؛ وكيف فكرتم بمثل هذه الحماقة؟ لأنه من الضرورى، ومن الضرورى بوضوح، أن تدركوا أن كل الجهاد تقريباً الذى خضناه من أجل الإيمان قد حاربنا فيه بسبب أننا أكدنا أن العذراء القديسة هى والدة الإله. فإذا كنا نقول أن الجسد المقدس الذى للمسيح مخلصنا جميعاً ولد من السماء وليس من العذراء، فكيف لا نزال نعتبرها والدة الإله؟ لأنه من يكون الذى ولدته أن لم يكن حقاً أنها قد ولدت عمانوئيل حسب الجسد.
5- فلنضحك إذن على هؤلاء الذين يهذرون بهذه التفاهات عنى. لأن النبى المبارك إشعياء لم يكذب عندما قال "هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره: الله معنا" (انظر اش7: 14، مت1: 23، 24)، وغبريال المقدس كان صادقاً تماماً وهو يقول للعذراء القديسة "لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع" (لو1: 30، 31) "ويخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21). ولكن حينما نقول أن ربنا يسوع المسيح هو من السماء ومن فوق، فنحن لا نقول مثل هذه الاشياء كما لو أن جسده المقدس قد نزل من السماء، من فوق، بل إننا بالحرى نتبع بولس الموحى إليه من الله الذى صرخ بوضوح قائلاً: "الإنسان الأول من الأرض، ترابى، الإنسان الثانى من السماء سمائى" (انظر 1كو15: 47). ونتذكر أيضاً قول المخلص نفسه: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان" (يو3: 13).
6- ورغم أنه -كما قلت منذ قليل- قد وُلِدَ حسب الجسد من القديسة العذراء، ولأنه من فوق، وأن الله الكلمة نزل من السماء "وأخلى نفسه، آخذاً صورة عبد" (فى2: 7) ودعى ابن الإنسان وهو لم يزل كما كان، أى الله غير المتغير وغير المتبدل بحسب الطبيعة، ومدركاً أنه واحد مع جسده، لذلك يقال أنه نزل من السماء. ولكنه يدعى إنساناً من السماء أيضاً، بسبب أنه الكامل فى لاهوته وهو نفسه الكامل فى ناسوته، ويعرف فى شخص واحد. لأن الرب يسوع المسيح هو واحد، حتى لو لم نجهل الاختلاف بين الطبيعتين اللتين نقول أن الاتحاد الذى يفوق الوصف، قد صار منهما. فلتعمل قداستكم على غلق أفواه أولئك الذين يقولون أن اختلاطاً أو امتزاجاً أو اندماجاً صار لله الكلمة مع الجسد، لأنه من المحتمل أن البعض يثرثرون بهذه الأفكار أيضاً عنى، كما لو كنت قد اعتقدت بها أو قلتها. ولكنى أنا أبعد ما يكون عن التفكير بمثل هذه الأفكار، حتى إنى أعتبر أن أولئك الذين يتخيلون أن مجرد ظل تغيير يمكن أن يحدث فيما يخص الطبيعة الإلهية للكلمة، هم مختلين فى عقولهم. لأنه يبقى كما هو دائماً، وهو لا يتغير، بل بالحرى فهو لن يتغير ولن يكون قابلاً للتحول. وكل واحد منا يعترف أن كلمة الله، بالإضافة إلى ذلك، هو غير متألم، رغم أننا نراه هو نفسه يدبر السر بكل حكمة، وينسب لنفسه الآلام التى حدثت لجسده الخاص. وبهذه الطريقة أيضاً، فإن بطرس الحكيم جداً يتكلم قائلاً: "وإذ قد تألم المسيح بالجسد" (انظر 1بط 4: 1) وليس فى طبيعة لاهوته التى لا ينطق بها. ولكى نؤمن به أنه هو نفسه مخلص الجميع، فإنه كما قلت -بحسب تدبير تجسده- ينسب إلى نفسه آلام جسده الخاص، كما تنبأ عنه النبى القائل: "بذلت ظهرى للضاربين، وخدى للناتفين وجهى لم أستر عن العار والبصق" (انظر اشعياء 50: 6).
7- فلتقتنع قداستكم، ولا تدع أحداً من الآخرين يشك فى أننا نتبع عقيدة الآباء القديسين من كل وجه، وخاصة أبينا المبارك والمجيد جداً أثناسيوس، طالبين باجتهاد أن لا نبتعد عنه فى أى شئ على الإطلاق. وكنت أود أن أضيف أيضاً اقتباسات كثيرة من الآباء لأعطى ثقة لكلماتى الخاصة من كلماتهم لولا أنى خفت أن تؤدى هذه (الاقتباسات) إلى أن تطول رسالتى وتصير بذلك مملة. ونحن لا نسمح بأى صورة من الصور لأى شخص أن يهز الإيمان المحدد، أو قانون الإيمان المحدد بواسطة الآباء القديسين الذين اجتمعوا فى نيقية فى الأزمنة الحرجة. وبكل تأكيد أيضاً، إننا لا نسمح سواء لأنفسنا أو لآخرين أن تتغير كلمة فيه أو أن يحذف منه مقطع كلمة واحدة، متذكرين الذى قال: "لا تنقل التخم القديم الذى وضعه آباؤك" (أنظر أم22 : 28). لأنهم لم يكونوا هم المتكلمين بل روح الله الآب (انظر مت10: 20) نفسه، الذى ينبثق منه وهو ليس إلا روح الابن بسبب جوهره. وبالإضافة إلى هذا فإن أقوال معلم الأسرار تشدد إيماننا. لأنه مكتوب فى سفر الأعمال، "وحينما جاءوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينيا فلم يدعهم الروح (روح يسوع)" (أع 16 : 7). وبولس الموحى إليه من الله يكتب: "فالذين هم فى الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله وأما أنتم فلستم فى الجسد بل فى الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم، ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له (للمسيح)" (رو 8 : 8، 9).
8- ولكن عندما يقوم بعض أولئك الذين اعتادوا "أن يقلبوا ما هو صواب" (انظر مى3 : 9)، بتحريف كلماتى إلى ما يبدو مرضياً أكثر لهم، فلا تتعجب قداستكم من هذا، عالماً أن أولئك الضالعين فى كل هرطقة يجمعون من الكتب الموحى بها حججاً لانحرافهم مما نطق به حقاً بواسطة الروح القدس، ويفسدونه بأفكارهم الشريرة الخاصة، ويصبون ناراً لا تنطفئ على رؤوس أنفسهم. ولكن حيث أننا علمنا أن البعض قد نشروا نصاً محرفاً لرسالة أبينا المجيد جداً أثناسيوس إلى المبارك إبكتيتوس، وهى رسالة أرثوذكسية، حتى أن كثيرين أصابهم الضرر (بسبب هذا التشويه)([2]). ولهذا السبب رأيت أنه من النافع والضرورى للأخوة أن أرسل لقداستكم نسخاً منها منقولة من النسخة القديمة الموجودة عندنا والتى هى نسخة أصيلة.
[1] The Fathers of the Church – St. Cyril of Alexandria, Letters 1-50, Vol 76, Translated by John I. McEnerney, The Catholic University of America Press, Washington D.C., 1987, pp. 147-152.
2 وهى مرسلة من القديس كيرلس إلى يوحنا الأنطاكى. تشويه هذا الخطاب قام به نسطور (انظر كاستن 3. 59-60)
تعليقات
إرسال تعليق