عقد البابا كيرلس مجمعاً فى الإسكندرية (430 م) واعتمد المجمع نص رسالة البابا كيرلس الثالثة إلى نسطور وهى التى تتضمن الحروم الإثنى عشر ومطالبة نسطور بالإعتراف بها وسوف نورد نصها الكامل لأهميتها:
الرسالة الثالثة إلى نسطور (الرسالة 17) ([1])
1- من كيرلس والمجمع المنعقد فى الإسكندرية من إيبارشية مصر، نهدى تحياتنا فى الرب، إلى الموقر والمحب لله جداً الأسقف الشريك نسطور.
حينما قال مخلصنا بوضوح: "من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقنى، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى" (مت10: 37)، فماذا سيكون مصيرنا حينما تطلب تقواك منا أن نحبك أكثر من المسيح مخلصنا كلنا؟ من يستطيع أن يساعدنا فى يوم الدينونة؟ وأية حجة نخترعها لاختزاننا الصمت طوال هذه المدة أمام التجاديف التى وجهتها ضده؟ فلو أنك آذيت نفسك وحدك فى تعليمك بهذه الأفكار الخاصة بك، لقَل قلقنا. لكنك أعثرت كل الكنيسة، وأدخلت خميرة هرطقة غريب ودخيلة بين الشعب، ليس فقط فى القسطنطينية بل وفى كل العالم. إن كتب عظاتك قد انتشرت. فما هو الشرح الذى يمكننا أن نقدمه عن صمتنا؟ كيف لا يكون ضرورياً أن نتذكر قول المسيح: "لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاماً على الأرض، ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً. فإنى جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها" (مت 10: 34-35). حينما يمس الإيمان أذى، فليُترك احترام الوالدين المخادع والمبتذل، ولينتهى قانون العاطفة الدافئة نحو الأولاد والأقرباء! وبعد ذلك يكون الموت عند الأتقياء أفضل من الحياة "لكى ينالوا قيامة أفضل" (عب 11: 35) بحسب المكتوب فى الأسفار.
2- لذلك فمع المجمع المقدس المنعقد فى مدينة رومية العظمى برئاسة أخينا والخادم شريكنا فى الخدمة المقدس جداً الذى يكرم الله، كليستينوس الأسقف، نحن أيضاً بهذه الرسالة الثالثة نتهمك الآن، محذرين إياك بالتوقف عن التعاليم الشريرة جداً والمنحرفة جداً التى ترتئيها وتعلم بها. وعوضاً عنها اختر وعلم بالإيمان الصحيح المسلم للكنائس من البدء بواسطة الرسل القديسين والبشيرين الذين كانوا معاينين وخداماً للكلمة. وإذا كنت، تقواك، لا تفعل هذا، حسب الزمن المحدد والمبين فى رسالة السابق الذكر أخينا وشريكنا فى الخدمة، المقدس جداً والمكرم لله جداً، كليستينوس، أسقف كنيسة رومية، فاعتبر نفسك بلا وظيفة أو وضع رسمى أو مكانة معنا ضمن كهنة الرب والأساقفة. لا يمكننا أن نتجاهل الكنائس التى اضطربت، والشعب الذى أعثر، والإيمان الصحيح الذى أهمل، والقطعان التى تفرقت بواسطتك، وقد كان حرياً بك أن تكون أنت حافظها، لو كنت مثلنا محباً للإيمان الصحيح ومقتفياً أثر تقوى الآباء القديسين. ولكننا نحن جميعاً فى شركة مع كل الأتقياء، سواء من الشعب أو من الإكليروس، الذين حرموا من الشركة أو عزلوا بواسطة وقارك بسبب الإيمان. لأن رجالاً لهم رأى قويم لا يجب أن يحطموا بواسطة إدانتك لهم على معارضتهم المستقيمة لك. وقد أشرت إلى هذا الأمر ذاته فى خطابك الذى كتبته إلى شريكنا فى الأسقفية المقدس جداً أسقف المدينة العظمى رومية. ولكنه لن يكون كافياً لتقواك أن تعترف معنا فقط بقانون الإيمان الذى وضع بالروح القدس بواسطة المجمع المقدس العظيم المجتمع فى مدينة نيقية أثناء الأزمنة الحرجة. لأنك لم تفهمه ولم تفسره تفسيراً صحيحاً، بل بالحرى بطريقة منحرفة، حتى وإن كنت تعترف بنص القانون بشفتيك. ولكن عليك أن تلحق ذلك بالكتابة وتعترف بقسم أنك أيضاً تحرم، من ناحية، تعاليمك الممقوتة والكفرية، ومن ناحية أخرى، بأنك سوف تعلم وتتمسك بما نعلم ونعتقد فيه نحن جميع أساقفة الغرب والشرق معلمو وقادة العلمانيين. وإن المجمع المقدس فى روما، ونحن جميعاً، متفقون على أن الرسائل المرسلة إلى تقواك من كنيسة الإسكندرية مستقيمة وبلا لوم، ولكننا أضفنا إلى خطابنا هذا الأمور التى يجب أن تتمسك وتعلم بها وأيضاً الأمور التى يجب عليك شجبها.
هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة الرسولية الذى يتفق عليه كل الأساقفة مستقيمو الرأى فى الغرب والشرق:
3- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل خالق كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب أى من نفس جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، له نفس الجوهر مع الآب، الذى به كان كل شئ ما فى السماء وما على الأرض، الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل، وتجسد، وتأنس، وتألم، وقام فى اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، وسوف يأتى ليدين الأحياء والأموات، ونؤمن بالروح القدس.
ولكن بالنسبة لمن يقولون: كان هناك وقت لم يكن فيه الإبن موجوداً، أو أنه:لم يكن موجوداً قبل أن يولد، أو أنه: خلق من العدم، أو أن ابن الله من طبيعة أو جوهر مختلف، ويقولون أنه عرضة للتبدل أو التغير، فأولئك تحرمهم الكنيسة الجامعة الرسولية.
وإذ نتبع -فى كل شئ- إعتراف الآباء القديسين، الذى صاغوه بالروح القدس الناطق فيهم، وإذ نتبع ما فى أفكارهم من معانى، وكما لو كنا نسير فى الطريق الملوكى، فإننا نقول أن: كلمة الله الابن الوحيد، المولود من نفس جوهر الآب، إله حق من إله حق، نور من نور، الذى به كان كل شئ، ما فى السماء وما على الأرض، وإذ نزل لأجل خلاصنا، وتنازل إلى إخلاء نفسه (انظر فى 2: 7-8)، فإنه تجسد وتأنس، أى أخذ جسداً من العذراء القديسة، وجعله خاصاً به من الرحم، واجتاز فى الولادة مثلنا، وولد كإنسان من امرأة، دون أن يفقد ما كان عليه، ولكن رغم أنه اتخذ لحماً ودماً فإنه ظل كما كان، الله فى الطبيعة والحق، جلياً. فإننا نعلن أيضاً أن الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله الفائقة الوصف، تغيرت إلى طبيعة الجسد. فهو بصورة مطلقة غير قابل للتبدل أو للتغير. ويظل كما هو دائماً حسب الكتب. حتى حينما كان منظوراً، وكان لا يزال طفلاً مقمطاً وفى حضن العذراء التى ولدته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله، وكان حاكمها مع أبيه. لأن اللاهوت هو بلا قدر وبلا حجم، ولا يقبل أن يحد.
4- ولأننا نعترف أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نعبد ابن ورب واحد يسوع المسيح، دون أن نفصل ولا نميز الإنسان عن الله، كما لو كان الواحد متصل بالآخر بالكرامة والسلطة، لأن هذا هراء ليس أكثر. ولا نعطى لقب "مسيح" على التوازى لكلمة الله على حدة، ولمسيح ثانى، المولود من امرأة على حدة، بل نعترف بمسيح واحد فقط، كلمة الله الآب مع جسده الخاص. هو قد مسح كإنسان بيننا رغم أنه يعطى الروح للذين يستحقون أن ينالوه، وليس بكيل، كما يقول البشير المغبوط يوحنا (انظر يو3: 34). كما أننا لا نقول أن كلمة الله سكن فى المولود من العذراء القديسة، كما فى إنسان عادى، لئلا يفهم أن المسيح هو إنسان حامل لله. لأنه رغم أن "الكلمة حل بيننا" (انظر يو1: 14) حقاً وقيل أن فى المسيح "يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو2: 9)، فإننا لا نظن أنه إذ صار جسداً أن يقال عن حلوله أنه مثل الحلول فى القديسين، ولا نعرِّف هذا الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول فى القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد بالجسد بحسب الطبيعة دون أن يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان فى جسدها الخاص.
5- لذلك فهناك مسيح واحد، إبن ورب، ليس بمعنى أنه إنساناً حقق أو ملك مجرد إتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة، لأن المساواة فى الكرامة لا توحِّد الطبائع، فبطرس ويوحنا يتساويان فى الكرامة الواحد مع الآخر، فى كونهما رسولان وتلميذان مقدسان، لكن الإثنين ليسا شخصاً واحداً! كما أننا لا نرى أن طريقة الاتصال هى وفقاً للمجاورة لأن هذه لا تكفى لتحقيق الاتحاد الطبيعى، ولا وفقاً لمشاركة اعتبارية مثلما نلتصق نحن بالرب كما هو مكتوب أننا روح واحد معه (1انظر كو6: 17)، لكننا نرفض تعبير "الاتصال" لأنه لا يعتبر كافياً للدلالة عن الاتحاد. كما أننا لا نتكلم عن كلمة الله الآب كإله أو رب للمسيح، حتى نتحاشى أن نقطع المسيح الواحد إلى اثنين، الابن والرب، فلا نسقط فى التجديف الأحمق بجعله إلهه وربه. وكما قلنا سابقاً، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنومياً، فهو إله الكون ورب الجميع الذى يحكم الكل، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه (انظر يو 13: 12-16). وأن يعتقد أحد بهذا ويقوله هو أكثر حماقة وهو أيضاً تجديف. وقد قال أن الله أباه (انظر يو 20: 17)، رغم أنه هو إله بالطبيعة ومن جوهر أبيه. ومع ذلك نحن ندرك أنه مع كونه إلهاً فإنه قد صار إنساناً أيضاً خاضعاً لله حسب قانون الطبيعة الإنسانية. لكن كيف يصير إلهاً أو سيداً لنفسه؟ لذلك كإنسان، وفيما يختص بما هو لائق لشروط إخلائه لنفسه (انظر فى 2: 7-8)، فهو نفسه يقول أنه خاضع لله مثلنا. وهكذا هو أيضاً "ولد تحت الناموس" (غل4: 4)، رغم أنه كإله هو معلن الناموس وهو واضع الناموس.
6- ولكننا نرفض أن نقول عن المسيح: "بسبب ذلك الذى ألبس أعبد اللابس، وبسبب غير المنظور أعبد المنظور". إنه أمر بشع أن يقال أيضاً: "إن المتَخَذ، يدعى الله مع الذى اتخذه". ([2]) فالذى يقول ذلك، يقسم المسيح الواحد إلى اثنين، وبالتالى فإنه يجعل الناسوت واللاهوت مفترقين أيضاً. والذى يقول ذلك ينكر الاتحاد الذى بمقتضاه لا يُسجد للواحد مع الآخر أو يدعى الله، ولكن المقصود هو الواحد المسيح يسوع، الابن الوحيد الجنس، الذى يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص. ونحن نعترف أنه هو الابن المولود من الله الآب، والإله المولود الوحيد، ورغم أنه غير قابل للألم بحسب طبيعته الخاصة، فقد تألم من أجلنا فى جسده الخاص حسب الكتب، وفى جسده المصلوب وهو غير القابل للألم جعل آلام جسده آلامه هو. لأنه بنعمة الله ولأجل الجميع ذاق الموت (انظر عب 2: 9)، بإخضاع جسده الخاص للموت رغم أنه بحسب الطبيعة هو الحياة وهو نفسه القيامة (انظر أع 4: 2). ولكى بواسطة قوته الفائقة بعد أن داس الموت فى جسده الخاص يصير أولاً "البكر من الأموات" (كو 1: 18) و"باكورة أولئك الذين رقدوا" (1كو 15: 20)، لكى يمهد السبيل إلى قيامة عدم الفساد أمام طبيعة الإنسان (انظر 1كو 15: 53)، وبنعمة الله، كما سبق أن قلنا، ذاق الموت لأجل الجميع، ولكنه قام حياً فى اليوم الثالث بعد أن سلب الجحيم. والنتيجة أنه، حتى إن كان يمكن أن يقال عن قيامة الأموات أنها صارت "بواسطة إنسان" (انظر يو11 :25)، فلا نزال نفسر هذه العبارة بأنها تعنى كلمة الله المتأنس الذى حل سلطان الموت. وهو سيأتى فى الوقت المناسب كالإبن الواحد والرب فى مجد أبيه ليدين المسكونة بالعدل كما هو مكتوب (انظر مز 98: 9، أع 17: 31).
7- ولكن من الضرورى أن نضيف هذا أيضاً. فى إعلاننا بموت ابن الله الوحيد حسب الجسد (انظر 1كو 11: 26) أى موت يسوع المسيح، فإننا نعترف بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات، حينما نقدم الذبيحة غير الدموية فى الكنائس، وهكذا نتقبل البركات الروحية ونتقدس بالتناول من الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح مخلصنا كلنا. ونحن نفعل هذا لا كأناس يتناولون جسداً عادياً، حاشا، ولا جسد رجل متقدس بسبب اتصاله بالكلمة وفقاً لاتحاد فى الكرامة، ولا كواحد قد حصل على حلول إلهى، بل باعتباره الجسد الخاص للكلمة نفسه المعطى الحياة حقاً. ولأنه الله فهو الحياة بحسب طبيعته، ولأنه صار واحداً مع جسده الخاص، أعلن أن جسده معطى الحياة. لأنه رغم أنه يقول: "الحق أقول لكم، إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه" (أنظر يو6: 53) لا يجب أن نستخلص من هذا أن جسده هو جسد واحد من الناس منا (لأنه كيف يكون جسد إنسان ما محيياً بحسب طبيعته الخاصة؟)، ولكنه بالحقيقة الجسد الخاص للإبن الذى صار إنساناً كما دعى ابن الإنسان لأجلنا.
8- أما بالنسبة لأقوال مخلصنا فى الأناجيل فإننا لا نقسمها إلى أقنومين أو إلى شخصين، لأن المسيح الواحد الوحيد ليس فيه ثنائية رغم أننا نعتبره من عنصرين مختلفين إتحدا فى وحدة غير منقسمة، وبنفس الطريقة فإننا مثلاً لا نعتبر أن فى الإنسان ثنائية مع أنه يتكون من عنصرين هما النفس والجسد. يجب أن تكون لنا نظرة صحيحة فنعتقد أن الأقوال التى تخصه كإنسان أو تلك التى تخصه كإله هى لمتكلم واحد. فحينما يقول عن نفسه بالألفاظ التى تناسبه كإله: "من رآنى فقد رأى الآب" (يو14: 9) و"أنا والآب واحد" (يو10: 30)، نفهم طبيعته الإلهية التى تفوق الوصف التى بحسبها هو واحد مع أبيه بسبب وحدة الجوهر، وهو أيضاً صورته ومثاله وشعاع مجده (انظر عب 1: 3). ومن ناحية أخرى، فإنه يقدِّر حدود الإنسانية فيقول لليهود: "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق" (يو8: 40)، لكن حدوده البشرية هذه لا تقلل من إدراكنا له بأنه الله الكلمة المساوى والمماثل للآب. لأنه من الضرورى أن نؤمن أنه بينما هو الله بالطبيعة، فقد صار جسداً، أى صار إنساناً محياً بنفس عاقلة، فلماذا يخجل أى إنسان من أى أقوال تناسب الإنسان، تكون قد صدرت منه؟ لأنه لو كان قد تحاشى الكلمات التى تناسب الإنسان، فما الذى أجبره أن يصير إنساناً مثلنا؟ فلأى سبب يتحاشى –ذاك الذى نزل لأجلنا إلى إخلاء نفسه الاختيارى- الكلمات المناسبة للإخلاء؟ وبالتالى تنسب كل الأقوال التى فى الأناجيل إلى شخص واحد، إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأنه بحسب الكتب هناك رب واحد يسوع المسيح (أنظر 1كو8: 6).
9- ولكن إن كان يدعى: "رسول ورئيس كهنة اعترافنا" (أنظر عب3: 1) لأنه يقدم لله الآب اعتراف إيماننا الذى ننقله إليه وبواسطته لله الآب، وأيضاً للروح القدس، كذبيحة لله الآب، فإننا نؤكد ثانية أنه بحسب الطبيعة هو إبن الله الوحيد الجنس. ولا ننسب لقب وحقيقة كهنوته إلى إنسان آخر غيره. لأنه صار وسيط بين الله والإنسان (1تى2: 5)، ووكيل مصالحة السلام، إذ قدم نفسه لله الآب رائحة طيبة (أف5: 2). لذلك قال: "ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لى جسداً، بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر، ثم قلت هانذا أجئ فى درج الكتاب مكتوب عنى، لأفعل مشيئتك يا الله" (عب10: 5-7 وأنظر مز40: 7-9). لأنه قد قدم جسده الخاص رائحة طيبة لأجلنا وليس لأجل نفسه. لأن ما هى حاجته وهو الله السامى تماماً عن الخطية، لتقديم تقدمة أو ذبيحة لأجل نفسه؟ لأنه "إن كان الجميع قد أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (أنظر رو3: 23) بمعنى إننا معرضون للإنحراف، وطبيعة الإنسان تضعف تماماً بالخطية. لكن إن لم يكن هذا هو حاله وبالتالى نحن أدنى من مجده، فكيف إذن يبقى هناك شك فى أن الحمل الحقيقى قد ذبح من أجلنا وعوضاً عنا؟ إن القول بأنه قد قدم نفسه من أجل نفسه ومن أجلنا لا يمكن بأى حال أن يفلت من تهمة الكفر. إنه لم يخطئ بأى شكل، ولا فعل أى خطية. إذن، منطقياً، أية ذبائح يحتاجها، إن لم تكن هناك أية خطية تقدم من أجلها ذبيحة.
10- ولكن حينما يقول عن الروح: "ذاك يمجدنى" (يو16: 14) فنحن، بصواب نفهم، أنه لا يعنى أن المسيح والابن الواحد، كان ينقصه المجد من آخر، فاكتسبه من الروح القدس، وذلك لأن روحه ليس أسمى منه ولا فوقه. ولكنه يقول أنه يمجده لأنه استخدم روحه القدوس للقيام بالأعمال العظيمة ليظهر لاهوته الشخصى، مثلما يتكلم إنسان عادى منا مثلاً عن قوة بدنية أو مهارة معينة له بإنها تمجده. لأنه رغم أن الروح يوجد فى أقنوم متمايز، ويعرف بالتحديد إنه هو الروح وليس الإبن، إلا أنه مع ذلك ليس غريباً عن الإبن، لأنه يدعى روح الحق والمسيح هو الحق، والروح يرسل منه (انظر يو 16: 13)، كما أنه يرسل بلا شك من الله الآب أيضاً. لذلك فإن الروح صنع عجائب بأيدى الرسل القديسين بعد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، وبذلك مجده. لأنه بواسطة عمله الشخصى من خلال روحه الخاص نؤمن أنه هو الله بحسب الطبيعة. ولهذا السبب قال أيضاً: "لأنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو16: 14). ونحن لا نؤكد ولا للحظة أن الروح حكيم وقوى نتيجة المشاركة، لأنه كلى الكمال ولا ينقصه أى صلاح .ولكن حيث أنه روح قوة الآب وحكمته أى روح الابن، فهو بكل الحق الحكمة والقوة المطلقة.
11- وحيث أن العذراء القديسة ولدت جسدياً، الله متحداً بالجسد حسب الأقنوم، فنحن نعلن أنها والدة الإله، ليس أن طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لأنه "(أى الكلمة )كان فى البدء، والكلمة كان الله، وكان الكلمة عند الله" (يو1: 1)، وهو بشخصه خالق الدهور، وهو أزلى مع الآب، وخالق كل الأشياء. لكن، لأنه كما سبق وقلنا إنه إذ وحَّد الإنسانى بنفسه أقنومياً، وجاز الولادة الجسدية من بطنها، فلم تكن هناك ضرورة لميلاد زمنى وفى آخر الدهور، لطبيعته الخاصة. لقد ولد لكى يبارك أصل وجودنا نفسه، ولكى بولادته من امرأة حينما يتحد بالجسد ترفع عن كل الجنس (البشرى) اللعنة التى ترسل أجسادنا من الأرض إلى الموت، وبواسطته أبطل القول: "بالوجع تلدين أولاداً" (تك3 : 16) لكى يظهر صدق قول النبى :"الموت إذ قوى قد ابتلعهم" (من الترجمة السبعينية هو13: 14)، وأيضاً: "يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه" (أش25: 8). هذا ما يجعلنا نؤكد أنه هو شخصياً قد بارك الزواج بتجسده وباستجابته للدعوة للذهاب إلى قانا الجليل مع الرسل القديسين.
12- لقد تعلمنا أن نعتقد بهذه الآراء من الرسل القديسين والبشيرين، ومن كل الأسفار الموحى بها، ومن الاعترف الصادق لآبائنا المباركين. إنه من الضرورى أن تقواك أيضاً ترضى بكل هذه وتوافق على كل واحدة بدون خداع. إن ما يلزم أن تحرمه تقواك قد ألحق بهذا الخطاب المرسل منا.
الحروم الإثنى عشر (الـ12 حرماً) Anathemas:
1- من لا يعترف أن عمانوئيل هو الله بالحقيقة، وبالتالى لا يعترف أن العذراء القديسة هى والدة الإله لأنها ولدت جسدياً كلمة الله المتجسد، فليكن محروماً.
2- ومن لا يعترف أن كلمة الله الآب قد وحَّد نفسه أقنومياً بالجسد، وهو مع جسده الخاص مسيح واحد، وأنه هو نفسه فى نفس الوقت إله وإنسان معاً، فليكن محروماً.
3- من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومين، ويربط بينهما فقط بنوع من الاتصال فى الكرامة، والسلطة والقوة، والمظهر الخارجى، وليس بالحرى بتوحيدهما فى اتحاد طبيعى، فليكن محروماً.
4- من ينسب الأقوال التى فى البشائر والكتابات الرسولية، أو التى قالها القديسون عن المسيح أو التى قالها هو عن نفسه إلى شخصين أو أقنومين، ناسباً بعضها للإنسان على حده منفصلاً عن كلمة الله، وناسباً الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن محروماً.
5- من يتجاسر ويقول أن المسيح هو إنسان ملهم من الله وليس بالحرى هو الله الحقيقى، لأنه الإبن الواحد بالطبيعة، لأن الكلمة صار جسداً (يو1: 14) واشترك مثلنا فى اللحم والدم (عب 2: 14)، فليكن محروماً.
6- من يتجاسر ويقول أن كلمة الله الآب هو إله وسيد للمسيح، ولم يعترف بالحرى أن المسيح نفسه فى نفس الوقت هو إله وإنسان معاً بحسب الكتب أن الكلمة صار جسداً ، فليكن محروماً.
7- من يقول أن الإنسان يسوع هو تحت سيطرة الله الكلمة وأن مجد ابن الله الوحيد يتصل بكينونة مختلفة عن الابن الوحيد، فليكن محروماً .
8- من يتجاسر ويقول أن الإنسان الذى اتخذه الكلمة ينبغى أن يسجد له مع الله الكلمة، ويمجد معه ويعترف به كإله مع الله الكلمة، كما لو كان الواحد منفصلاً عن الآخر (لأن لفظة "مع" التى تضاف دائماً تفرض أن يكون هذا هو المعنى)، ولا يكرم عمانوئيل بالحرى بسجدة واحدة، ولا يرسل له ترنيمة تمجيد واحدة، لكون الكلمة صار جسداً، فليكن محروماً.
9- إن قال أحد أن الرب الواحد يسوع المسيح قد تمجد من الروح، وأن المسيح كان يستخدم القوة التى من الروح كما لو كانت خاصة بقوة غريبة عنه ويقول أن الرب قبل من الروح القدرة على العمل ضد الأرواح النجسة ويتمم العجائب بين الناس، ولا يقول بالحرى أن الروح الذى به عمل المعجزات خاص بالمسيح، فليكن محروماً.
10- يقول الكتاب المقدس أن المسيح هو رئيس كهنتنا ورسول اعترافنا (أنظر عب 3 : 1، أف 5: 2)، وأنه قدم نفسه من أجلنا رائحة طيبة لله الآب. لذلك إن قال أحد أنه لم يكن كلمة الله نفسه هو الذى صار رئيس كهنتنا ورسولنا حينما صار جسداً وإنساناً مثلنا، لكن آخر منفصل عنه مولود من إمرأة؛ أو يقول أنه قدم نفسه ذبيحة لأجل نفسه أيضاً وليس بالحرى لأجلنا فقط (لأن من لم يعرف خطية لا يحتاج إلى ذبيحة)، فليكن محروماً.
11- من لا يعترف أن جسد الرب هو معطى الحياة، وهو يخص كلمة الآب نفسه، بل يقول أنه جسد لواحد آخر خارجاً عنه، وأنه مرتبط به فقط فى الكرامة، أو حصل فقط على حلول إلهى، ولا يعترف بالحرى أن جسده معطى الحياة، ولأنه كما قلنا يخص اللوغوس وله قدرة أن يجعل كل الأشياء تحيا، فليكن محروماً.
12- من لا يعترف أن كلمة الله تألم فى الجسد (بحسب الجسد)، وصلب فى الجسد، وذاق الموت فى الجسد، وصار البكر من الأموات (أنظر كو 1 : 18)، حيث أنه الحياة ، ومعطى الحياة كإله، فليكن محروماً.
[1]Lionel R. Wickham, Cyril of Alexandria Select Letters, Oxford At the Clarendon Press, 1983, p.12-33.
[2] Loofs, Nestoriana, p, 262.3,4,11, and 12.
تعليقات
إرسال تعليق