القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة

الكذب هو حل سهل يلجأ إليه الضعفاء وغير الأذكياء. وكثيراً ما ينكشف. فيلجأ الكاذب إلى كذبة أخرى يُخفى بها الأولى. وهكذا يدخل فى حلقة مفرغة من الأكاذيب لا تنتهي ... والكذب دليل على الخوف وعلى ضعف الشخصية. أما الإنسان الصادق فهو شجاع، يتحمل مسئولية أعماله.


والكاذب لا يثق أحد بكلامه. حتى إن قال صدقاً يشك الناس فى صدقه. وقد يلجأ إلى القسم ليثبت قوله، فيشك الناس فى أقسامه أيضاً ... كلامه فقد هيبته.


فالكذب خطية مزدوجة، تخفى وراءها فى الغالب خطية أخرى. أنه غطاء لخطية سابقة، أو حيلة لخطية مقبلة. لذلك فالمرشد الروحى الذى يُعالج الخطية عند الكاذبين، عليه أن يسألهم ماهى الخطية الأخرى التى دفعتهم إلى الكذب.


+ والكذب قد يكون مباشراً أو غير مباشر. لذلك فإن ناقل الكذب يعتبر كاذباً، وشريكاً فى الكذب ونشره. ويدخل تحت هذا العنوان مروجو الإشاعات الكاذبة. وقد يقع فى هذا الأمر أيضاً البسطاء الذين يصدقون كل ما يسمعونه، ويتكلمون عنه كأنه حقيقة، دون فحص وتأكيد. وفى الحقيقة لا نستطيع أن نسمى هذه البساطة بمعناها الدقيق، بل هى سذاجة.


+ من أجل هذا نقولها نصيحة لكل إنسان من هؤلاء: لا تصدق كل ما يقال، ولا تحكم بدون تحقيق. فلو كنا نعيش فى عالم مثالى، لأمكن أن نصدق كل ما يقال. ولكن ما دام الكذب موجوداً فى العالم، فيجب علينا أن نحقق وندقق قبل أن نصدق. فمصدر الخبر الذى يصل إلينا قد يكون جاهلاً حقيقة الأمر، أو على غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول. أو قد يكون مبالغاً فيما يسرده من أخبار. أو أن مصادره التى أستقى منها المعلومات غير سليمة. أو قد يكون غير خالص النية فيما يقوله، وله أسباب شخصية تدفعه إلى طمس الحقائق، أو إلى الدس والإيقاع بين الناس. أو له رغبة خاصة فى ايذاء شخص معين أو جماعة معينة. وقد يكون أحد المتكلمين مجرد محب للفكاهة، يقول كلاماً بقصد المزاح ليرى ما مدى تأثيره. أو قد يكون محباً للأثارة، ويفرح بأن يُعلن خبراً مثيراً.


ولا يصح أن يكون الإنسان سمّاعاً، يصدق كل ما يسمعه. أو أن يكون توّاقاً لسماع الاتهامات الباطلة، أو أن يكون كالببغاوات التى تسمع دون أن تعقل مثلما قال الشاعر:


أثر البهتان فيه             وانطوى الزور عليه
يا له من ببغاء             عقلــه فى أذنيــــــــه


والذى يسمع الكذب ويقبله، إنما يشجع الكاذب على الاستمرار فى كذبه. لذلك فخطية الكذب يشترك فيها ثلاثة: الكاذب، وناقل الكذب، وقابل الكذب.


حقاً ما أكثر الاتهامات التى توجه إلى أبرياء، وكلها كذب ودس ووقيعة. وللأسف تكون أمثال هذه التهم أحياناً محبوكة حبكاً عجيباً، حسب مهارة الشيطان فى تدبير الشر.


لاحظ تطور الكلام فى رحلته إلى أذنيك. إن كان نقل الكلام أى النميمة يسبب مشاكل فإن أخف الناس ضرراً من ينقلون الكلام كما هو، كما يفعل مسجل الصوت (أي الريكوردر) الأمين المخلص الذي لا يزيد عن ما قيل شيئاً. ولكن غير الأمناء فأن ما يصل إليهم من الأخبار يضيفون عليه رأيهم الخاص واستنتاجاتهم وأغراضهم ويقدمون كل ذلك كأنه كلام مباشر قد وصل إليهم. فلهذا كثير من الأخبار عندما تصل إليك، تكون أخباراً مختلفة جداً عن الواقع.


+ هناك أنواع أخرى من الكذب : منها من يذكر فقط أنصاف الحقائق، بأن يخفي النصف الأخر من الحقيقة الذي يمكن أن يعكس المفهوم السليم. ومن الكذب أيضاً الملق والمحاباة. أي المديح الزائد بدون وجه حق. ويزيد هذه الخطية بشاعة، إن كان صاحبها بوجهين، أي يتملق شخصاً في وجهه ويذمه في غيبته. والبعض قد يحابي أهل الموتى. فيمدح المتوفي مديحاً ليس فيه بشكل يتعب الحاضرين ويفقدهم الثقة في كلام التأبين.


ومن أمثلة الكذب أيضاً الظن السيئ، وأيضاً الرياء.


+ هناك عوامل تزيد بشاعة اكذب: منها كلما كانت شخصية الكاذب كبيرة، أو كان موضع ثقة، بحيث يصدق كلامه بدون فحص! وتزيد بشاعة الكذب أيضاً كلما عظمت مكانة من تكذب عليه... ومن أمثلة الكاذبين أصحاب الرؤى الكاذبة والعرافة.


+ يظن البعض أن الكذب يُنجي، ويلجأون إليه لإخفاء خطية معينة. ونصحيتنا لهؤلاء أن يلجأوا إلى طرق سليمة، عارفين أن حيل الكذب قصيرة، وغالباً ما ينكشف. ونقول لهم إن الشئ الذي تخاف أن تنكشف فيه، لا يصح أن تفعله. ولو صمت أن تكون صادقاً لأسترحت من خطايا كثيرة.


وقد يكون الكذب بسبب الإحراج أو الخوف أو إلحاح السائل. ونصحيتنا حينئذ أن السكوت أفضل من الكذب. لذلك اصمت، أو غيّر مجرى الحديث، أو إعتذر عن الإجابة، أو تكلم بالصدق في الحدود التي تستطيعها.


وقد يكون الكذب بسبب الكبرياء إخفاء للجهل! ولكن لا يضير الإنسان أن يقول أحياناً لا أعرف.


+ وقد يكون سبب الكذب إضطرار وظيفة معينة، مثل المحامي الذي يدافع عن مذنب، أو الطبيب الذي يخدع مريضاً من جهة نوع مرضه. ونحن نريد المحامي النزيه الذي لا يقبل الدفاع عن متهم إلا إذا كان واثقاً من برائته. أما إن دافع عن شخص مذنب، فأنه يشرح العوامل المحيطة التي تخفف من الذنب دون أن يكذب. كذلك الطبيب لا يصح أن يخدع مريضه وهو على أبواب الأبدية فيفقده الفرصة للتوبة. أما إن كانت الأمراض تؤذيها الصراحة فالأمر يحتاج إلى لياقة وبشاشة وإلى عبارات رجاء، وإلى تحذير بصورة لا تحمل اليأس.


+ ويقف أمامنا سؤال هل إخفاء بعض الحقائق نوع من الكذب؟! كلا فهناك أسرار للإنسان من حقة كتمانها، أو أسرار للأخرين أئتمنوه عليها ومن واجبه أن يحفظها مصونة.
reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات