تكلمنا فى المقال السابق عن المال الحرام فى السرقة، واليوم نتكلم عنه فى مجال التجارة، حيث يرى البعض أنه لون من المهارة والفن للوصول الى أكبر ربح ممكن... ومن أمثلته:
** المال الحرام عن طريق الغش:
كأن يبيع أحدهم شيئاً به تلف على أنه شئ سليم، مستغلاً عدم اكتشاف الشارى للعيب الموجود فى تلك البضاعة! ما أنبل البائع الذى بكل أمانة يكشف العيب الموجود فى بضاعته وينبّه له المشترى. حينئذ سوف تسمو منزلته فى أعين من يريد أن يشترى، ويثق به. ولكن قد يقول البعض عن هذا البائع إنه سوف لا يبيع. كلا، إنه سيبيع ولكن بثمن أقل يتناسب مع العيب الموجود فى البضاعة. ولكنه مال حلال فيه بركة...
** ومن الغش أيضاً أن يبيع التاجر شيئاً بغير اسمه. كأن يبيع حلى زائفة على أنها حقيقية، أو قطع آثار مغشوشة كما لو كانت أثرية.. وأمثال هذا الغش هو سرقة ممزوجة بالكذب، يزيدها بشاعة ما يحيطها به من فنون الدعاية.
** ومن الغش الواضح الصريح غش المكاييل والمقاييس، وهو غش – لا فى نوع البضاعة وجودتها – إنما فى مقدارها وكميتها. ويكون الثمن الذى يتقاضاه من فارق الكمية هو مال حرام...
** وأخطر ما فى الغش عموماً هو الغش فى الأدوية وبخاصة ما تتوقف عليه حياة الانسان أو سلامته. وهذا النوع من الغش، يجب أن تشتد فيه عقوبة القوانين لكى تكون رادعة. لأن جريمته ليست مجرد المال الحرام، إنما الاستهانة بأعمار الناس أو سلامتهم
***
** هناك أيضاً مال حرام عن طريق الجشع ورفع الأسعار:
فرفع الأسعار بطريقة غير معقولة ولا مقبولة، يدخل فى نطاق السرقة، لأنه ابتزاز لمال المشترى... إن الله يسمح للتاجر أن يربح فى حدود المعقول. أما الربح الفاحش الذى يتضح فيه الجشع، فإنه خالِِ من الرحمة، وكله أنانية ولا يوجد دين أو عرف يقرّه...
** وقد يحدث الابتزاز عن طريق الاحتكار: بأن يكون أحد التجار هو الصانع الوحيد، أو المستورد الوحيد لذلك الصنف، أو يكون المتعهد الوحيد لبيعه. وعندئذ يفرض أسعاراً باهظة، مستغلاً حاجة المشترين. فينهب أموالهم، إذ يشترون منه وهم كارهون ومضطرون...
ومن أمثلة ذلك ما يسمونه بالسوق السوداء. وذلك بأن يخزن البائع عنده البضاعة حتى تنفذ من السوق، وقد يشترى هو ما تبقى منها، ويظل يخزن الى أن تخلو منها باقى الأماكن. عندئذ يكشف عن وجودها عنده، ويفرض سعراً خيالياً لبيعها. ويستغل احتياج المشترين لكى يبتز أموالهم. هذا التلاعب بالسوق مصدر للمال الحرام. وتكون الزيادة الفاحشة فى السعر مالاً حراماً يدخل بيته فيتلفه...
** ومما يدخل فى التلاعب بالأسواق، ما يفعله التجار فى المضاربات إذ يرفعون الأسعار تارة ويخفضونها تارة اخرى. وفى اثناء ذلك، يضيع كثير من التجار الصغار، وتبتز أموالهم لصالح المضاربين الكبار...
** ومما يندمج تحت عنوان المال الحرام: المشروعات الإقتصادية الوهمية وكذلك الرحلات الوهمية الى بلاد الغرب أو الى بلاد الخليج العربى، حيث تجمع أموال الناس بألوان من الدعاية والإغراء والوعود المعسولة... ثم يكتشفون بعد كل ذلك إنها انواع من النصب لسلب الأموال...
** هناك مال حرام آخر يحصل عليه المشترى وليس البائع.
وذلك عن طريق التشدد الزائد فى السعر، وبخاصة مع الباعة الفقراء. ففى بعض الأحيان يكون البائع الفقير محتاجاً الى بيع بضاعته بأى ثمن كان: من أجل أن يحصل على قوته الضرورى، أو من أجل علاج مرض أحد أقربائه، أو بسبب أية ضرورة ملزمة، فيضطر أن يبيع ما عنده سواء ربح أو خسر. وهنا يستغل المشترى حاجة البائع، فيفرض عليه ثمناً لا يتفق مطلقاً مع قيمة ما يشتريه منه. فيرضى ذلك بأن يبيع مضطراًً. ويكون ما ظلمه فيه المشترى هو مال حرام... أليس حقاً أن كثيراً من المساومات مع الباعة الفقراء تدل على قساوة قلب المشترى وجشعه؟! لذلك قيل إن "الحسنة المخفاة تكون فى البيع والشراء"...
إن البائع الفقير يستحق صدقة منك، حتى دون أن تأخذ منه شيئاً. فلا أقل من أن تمنحه هذه الصدقة عن طريق الشراء بدون أن تجرح شعوره. وثق أن دعاء البائع الفقير لك هو اثمن من فارق السعر...
***
** هناك أنواع اخرى من مصادر المال الحرام، منها التسخير، والأجر البخس. كأن يسخّر شخصاً إنساناً آخر، لكى يعمل لأجله عملاً من غير أن يدفع له أجراً. أو أن يستأجره بأجر بخس دون الكفاف. ويكون بهذا قد سلبه أجرته، وسرق تعبه وعرقه. وينطبق هذا على كل الشركات والمصانع التى لا تعطى عمالها وموظفيها ما يكفيهم من الأجر لسداد تكاليف سكنهم وطعامهم وباقى مصروفاتهم ومصروفات أولادهم. ويكون جزء من الأرباح الكبيرة التى يحصل عليها أصحاب تلك الشركات والمصانع عبارة عن مال حرام مأخوذ من حقوق عمالها الفقراء...
** كذلك يشمل هذا الأمر، تعطيل الحقوق أو إضاعتها، مثل تأخير علاوة موظف، أو تأخير ترقيته، أو حرمانه من أجر إضافى يستحقه... أو خصم جزء من مرتب الموظف كعقوبة بدون وجه حق.
** ومن أمثلة المال الحرام، ما يفعله مأمور ضرائب غير عادل... فإنه إن قدّر ضرائب على انسان أكثر مما يجب، ويكون قد سلب منه ماله مجاملة للدولة. وإن قدّر عليه ضرائب أقل مما يجب، يكون قد سلب الدولة مالها. مع أنه فى الحالتين لا يكون قد أخذ شيئاً لنفسه...!
** كذلك فإن القمار هو مصدر آخر من المال الحرام. فإن ما يربحه شخص من آخر عن طريق القمار، هو مال حرام قد أخذه بطريقة غير مشروعة. وكذلك من مصادر المال الحرام: الألعاب التى يخدعون بها الصبية والبسطاء، وتعتمد فى السرقة على خفة اليد.
تعليقات
إرسال تعليق