الإنسان
الفاضل يلتزم بكل كلمة يقولها، وبكل وعد يعد به، وبكل إتفاق يبرمه مع آخرين، وبكل
نظام يخضع له...
+
كما يلتزم بكل عهد بينه وبين الله. ويلتزم بقيم وأخلاقيات وقواعد روحية. وهو يحيا
حياة على مستوى المسئولية. لذلك فهو محترم من الكل. إن قال كلمة، تكون لها عند
الناس أهميتها ووزنها، بل تكون أفضل من أى إتفاق مكتوب وموثق. حتى إن لم يقل كلمة،
بل هز رأسه بعلامة الموافقة، يدركون تماماً أنه سيلتزم بهذه الموافقة، بدون شهود
وبدون إمضاء!!
+ التزامه هذا دليل على الرجولة، ودليل على احترام الكلمة، واحترام الوعد
والاتفاق. إنه سلوك شريف...
+
والإنسان الفاضل يلتزم أيضاً بما يقرره ويفرضه على نفسه. وكذلك بما يقرره النظام
العام، وما توجبه المبادئ السليمة. وكذلك يشعر أن هناك التزاماً تفرضه وصايا الله
بما يلزم لها من طاعة...
الوفاء
بالوعود والعهود: إنك فى حياتك كلها يا أخى
لاشك قدمت لله الكثير من التعهدات فى مناسبات متعددة. فهل وفيّت بهذه الوعود أمام
الله؟ وهل كنت فى كل ذلك على مستوى الالتزام بما وعدت الله به؟! كم من مرة وقعت فى
ضيقة شديدة، وتعهدت أمام الله- إن هو أنقذك منها – أن تفعل كذا وكذا... فهل أنت قد
التزمت بكل ما تعهدت به أمام الله فى ضيقتك؟ وكذلك ما تعهدت به اثناء مرضك؟!
+
وهل أنت التزمت بكل نذر نذرته أمام الله؟
+ وكم مرة – اثناء مشاعر التوبة التى مرت بك – تعهدت أن تترك الخطيئة نهائياً
ولا تعود اليها... فهل التزمت بتلك التعهدات؟
+
وكم مّرت عليك مناسبات مقدسة، أو مناسبات تاريخية، وقفت فيها أمام الله تعده بوعود
كثيرة. فهل التزمت بكل ما قلته من وعود؟ أم أن لسانك كان يرود قول الشاعر:
كم
وعدتُ الله وعداً حانثاً
|
|
ليتنى
من خوف ضعفى لم أعِدْ
|
+
وإن كان هذا هو مدى التزامك بمواعيدك فى علاقتك مع الله، فماذا نقول بالأكثر عن
التزامك بالوعود وبالمواعيد فى علاقتك مع الناس؟!
+ راجع نفسك بدقة وحاسبها عن مبدأ الإلتزام فى كل حياتك العملية... وضع أمامك
فى هذه المحاسبة مضار عدم الالتزام
عدم
الالتزام: إن عدم الالتزام يحوى فى داخله لوناً من
اللامبالاة، ومن التسيبّ، والتحلل من كل رباط، وكل شرط وكل اتفاق... بطريقة لا
تدعو الى الاحترام! وعدم الالتزام ليس فيه أى شعور بالمسئولية أمام الله وأمام
الناس وأمام الضمير. وليست فيه جدية. بل هو دليل على الضعف...
وغير
الملتزم يحاول أن يتفطن بالحجج والأعذار، ليفلت من المسئولية!
+
نعم، ما أكثر أن يعتذر بالعوائق والموانع، وبأن الأمر قد خرج تماماً من نطاق
إرادته وقدرته، أو أن الظروف لم تسمح! أو أنه قد نسى، أو لم يجد الوقت، ولم يجد
الإمكانية...! وغالباً ما يكون السبب الحقيقى هو أنه لم يتعود على أن يحيا حياة
الالتزام، وأن يحترم كلمته!!
+ أما
الإنسان الروحى الملتزم، فإنه يبذل كل جهده للانتصار على العوائق إن وجدت! وأن
ينفذ التزامه مهما حدث، ومهما كانت الصعوبة... كرجل على مستوى المسئولية... بل إنه
يشعر فى داخله باحتقار لنفسه، حينما يقدم عذراً لإعفائه من الالتزام!
+
لذلك فإنك تشعر بالراحة، حينما تعمل مع انسان يتميز بالالتزام...
+
إن اتفقت معه على شئ، تتوقع تماماً انك تتفق على أمر مضمون سيأتى بنتيجة سليمة...
إنك فى عملك مع الملتزمين تنام مستريحاً، واثقاً بأنك تعمل مع من يقّدر الموقف
ويحترم الإتفاق
+
أما غير الملتزم، فإنه يسلك بحسب هواه، ولا يبالى بأمر ولا بنظام. ويحاول أن
يتملّص من كل ما يراه قيداً...
+
وهو لا يخضع لشئ من النظام العام، شاعراً بأن له حريته الخاصة، مهما كسرت هذه
الحرية فى طريقها من نظم أو قواعد! لذلك فإن غير الملتزم لا يفهم المعنى الحقيقى
للحرية، ظاناً أن الحرية هى لون من التسيب لا يلتزم فيه بشئ! ومعتقداً أن النظم هى
قيود تقيد فكره وارادته وعمله!! بينما الحرية الحقيقية هى أن يتحرر من الشهوات
والرغبات والعادات التى تقيده...
+
وإذ يتحلل من الالتزام باسم الحرية، يضطر المجتمع أن يلزمه بالقوة. فيخرج من
الالتزام الى الإلزام... وهكذا تلزمه القوانين والعقوبة. ويحتاج من المجتمع إلى
مراقبة ومحاسبة ومتابعة وتفتيش. فإن أصرّ على عدم التزامه، يتعرض للجزاء. فيضطر
الى أن يلتزم على الرغم منه!
+
صفات الملتزم: الملتزم
لا يلتزم بالعمل فقط، وإنما أيضاً بنوعية ممتازة فى ادائه..
+
وبهذا يحالفه النجاح فى كل ما يعمل، لأنه يعمل بجدية وإخلاص. ولا يحتاج مطلقاً الى
رقيب، يكفى ضميره ونيته الطيبة.
+ وهو يشعر أن أى تقصير فى التزامه، إنما يسبب حرجاً له ولكل العاملين
والمتعاونين معه، مما لا يرضاه لنفسه ولهم...
+ وهو خارج محيط العمل مع الناس، يسلك بالتزام فى حياته الخاصة، فى كل ما يمس
روحياته، فى كل عبادته من صلاة وتأمل، وكل علاقته مع الله – تبارك اسمه – فى طاعته
والعمل بوصاياه... ويكون ملتزماً فى كل نظام روحى يضعه لنفسه، فلا يتهاون فيه ولا
يقصّر...
+ وهكذا يكون الملتزم باستمرار قدوة ودرساً لغيره، يتعلمون من حياته الجدية.
+
والملتزم يحرص على كل طاقاته، لكى يستطيع الوفاء بالتزاماته... فهو يحرص كل الحرص
على وقته، لأنه يحتاج الى هذا الوقت فى القيام بالمسئوليات التى تلقى على عاتقه...
لذلك فهو حريص ألا يضيّع هذا الوقت فى تفاهات تعرض له، أو تسليات يمكنه الاستغناء
عنها...
+ ولأن الملتزم لا يحب أن يقف النسيان عقبةً فى طريق وفائه بالتزاماته، لذلك
فهو يذكّر نفسه باستمرار بما يجب عليه عمله..
تعليقات
إرسال تعليق