لقد رأينا كيف أن الأنطاكيين اتهموا كيرلس([1]) وأصدقاؤه مراراً وتكراراً بأنهم تسببوا فى تحول وجهات النظر بصورة فائقة وفى سلوك رجال البلاط، بواسطة الرشوة. أهم وثيقة فى هذا الموضوع هى خطاب من الكهل أكاكيوس أسقف بيرويا، الذى سمعنا عنه من قبل، إلى ألكسندر أسقف هيرابوليس، الذى يعلن أنه سمع من يوحنا الأنطاكى وثيئودوريت وغيرهم أن الإمبراطور كان منحازاً إلى الأنطاكيين بالكلية فى أول الأمر، لكن كيرلس رشى خصى الإمبراطور سكولاستيكوس Scholasticus ذو التأثير وآخرين كثيرين. وقد اكتشف الإمبراطور ضمن أمتعة سكولاستيكوس بعد موته، دليلاً مكتوباً، بأنه استلم جنيهات ذهب كثيرة من كيرلس. وقد رتب لهذه المدفوعات بولس Paul ابن أخو كيرلس ([2]) وضابط فى القسطنطينية. لذلك صدَّق الإمبراطور على عزل كيرلس وممنون، لكن كيرلس هرب من السجن فى أفسس، واضطر رهبان القسطنطينية الإمبراطور إلى فض المجمع وتتميم رغباتهم (وكان من ضمنها اطلاق سراح كيرلس). ([3])
هذا التقرير يثير لأول وهلة شكوكاً متعددة، فأكاكيوس يعلن أن الأمر وصل إلى مسمعه كمجرد أقوال (شائعات)، وأن الذين أوصلوها إليه يمكن أن يكونوا قد سمعوها من آخرين (لأنهم بالتأكيد لم يجرؤوا على القدوم إلى القسطنطينية). ونحن نعرف أن سكولاستيكوس كان فى فترة سابقة عميلاً لنسطور، ولكنه مال إلى الجانب الآخر بعد ذلك، وبالتالى كان من الطبيعى أن يصير هو المتحدث الرسمى لهذا الطرف لدى الإمبراطور. ومن الصحيح أيضاً أن نقول إنه بعد ختام المفاوضات فى خلقيدونية، أعاد ثيئودوسيوس، فى أول الأمر، التأكيد على عزل كيرلس وممنون، لكن لا يعقل أنه إذا كان قد اكتشف الرشوة وبالتالى جدد قرار العزل ضد كيرلس وممنون، أن يأمر بإطلاق سراحهما، ويعطيهما حرية كاملة، ويعيدهما إلى كرسييهما مرة أخرى، بعد ذلك مباشرة. هنا علينا أن نضيف أنه من غير المعقول أن ممثلى الأنطاكيين فى كل فترة تواجدهم فى خلقيدونية وفى أكثر مكان مجاور للقسطنطينية ألا يلفظوا ببنت شفه بخصوص هذا الاكتشاف الذى حدث بموت سكولاستيكوس، رغم أن الأمر لابد أنه تم قبل مغادرتهم لخلقيدونية. وكم كانت ستكون فرحتهم بهذا الأمر إن كانوا قد علموه. إلى جانب ذلك، ليس من الممكن أن يكون كيرلس قادراً وراغباً فى الهرب من سجنه بأفسس. وإن كان قد عمل ذلك بالفعل، ليس من الممكن أن يرسل الإمبراطور خلفه مرسوماً يهبه الحرية الكاملة، بدلاً من أن يوقع عليه العقوبة. وأخيراً، لم يكن سكولاستيكوس إنما أخت الإمبراطور بلخيريا، كما تقص هى، هى التى كانت نشطة بالدرجة الأولى ضد نسطور، ([4]) لأنه قد وشى بها بطريقة مزيفة بواسطة أتباعه. وقد اتهمها نسطور مرة بأنها على علاقة غير شرعية مع أخيها كما يقولون ولذلك كانت تكرهه بشدة. ([5])
لن ننكر بصورة مباشرة أن يكون كيرلس قد أعطى هدايا لسكولاستيكوس وغيره فى ذلك الوقت، لأنه أعطى هدايا بعد ذلك للإمبراطورة بلخيريا وغيرها من الشخصيات ذوى المكانة الرفيعة، كما يقول رئيس شمامسته السكرتير إبيفانيوس. لكن لا يجب أن نحكم على ذلك بحسب تقاليدنا وظروفنا، إنما بحسب تقاليد وظروف الشرق، التى وفقاً لها لا يسمح لأحد بالتقرب إلى الأعلى بدون هدية، مهما كانت قضيته عادلة. إن تقديم الهدية هو شئ عام بصفة مطلقة فى الشرق، لكن هذه الهدايا ليست رشاوى على الإطلاق، فالكثير منها ببساطة هو مجرد توصيات تقليدية لقضايا هى فى حد ذاتها عادلة. بالإشارة إلى هذا التقليد الشرقى فإن لاهوتيى البروتستانت الذين عملوا فى القرنين السادس عشر والسابع عشر على الوصول إلى الوحدة مع اليونانيين لم يترددوا لحظة فى إرضاء ومصالحة رؤساء الكنيسة وذوى المكانة عند اليونانيين بالهدايا. فالأمر إذن يمكن أن يصاغ لصالح كيرلس. على أى الأحوال، فقد حاول فقط كسب أصدقاء وحافظين للإيمان القديم، الذى ينتمى إليه أولئك الذين وجهت إليهم الهدايا، بينما هؤلاء اللاهوتيون البروتستانت سعوا إلى أن يترك إكليروس اليونان مهامهم التى نذروا إتمامها.
[1] Hefele, C.J., pp. 112-114.
[2] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t.ii.p.331; Mansi, t.vi.p.1022sqq.
يقال أنه ابن أخته ايسيذورة.
[3] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.v.p.819.
[4] Hefele, C.J., quoting S.Leonis, ep. 79 (59), ed. Baller, t.i.p.1035.
[5] Hefele, C.J., quoting Suidas, Lexic. s.v. “Pulcheria”; Baron. ad ann. 431, n. 162; Walch, Ketzergesch. Bd. v.S.551.
تعليقات
إرسال تعليق