القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة

هرطقة أبوليناريوس أسقف اللاذقية

لقد حوّل أبوليناريوسApollinarius أسقف اللاذقيةLaodicea 390 تعليم ثلاثية تكوين الإنسان trichotomy من سيكولوجية أفلاطون إلى كريستولوجى، فقال: كما أن الإنسان العادى مكوَّن من جسد ونفس وروح، هكذا يسوع المسيح هو مكوّن من جسد ونفس والكلمة (اللوغوس). وفى رأيه أن الكلمة قد حل محل الروح pneuma واتحد بالجسد والنفس لتكوين الاتحاد.[1]

لم يتصور أبوليناريوس إمكانية وجود نفس إنسانية عاقلة فىالمسيح فى وجود الله الكلمة الذى هو روح والذى هو العقل الإلهى منطوق به. ربما تصوّر أبوليناريوس أن النفس الإنسانية العاقلة تعنى بالضرورة شخصاً بشرياً متمايزاً عن شخص الله الكلمة. بمعنى أنه خلط بين مفهوم الشخص الذى هو مالك الطبيعة، ومفهوم العقل الذى هو أحد خواص الطبيعة التى يملكها الشخص، أى أنه اعتبر أن الشخص هو العقل. وأراد بإلغاء الروح الإنسانية العاقلة أن يؤكّد أن شخص كلمة الله هو الذى تجسد وهو هو نفسه يسوع المسيح. بمعنى أن كلمة الله لم يتخذ شخصاً من البشر بل اتخذ جسداً ذا نفس بلا روح عاقلة. وبهذا تتحقق -فى نظره- وحدة الطبيعة فى المسيح الكلمة المتجسد وعصمته من الخطيئة.

وقد تصوّر البعض أن القديس أثناسيوس الرسولى فى القرن الرابع قد تأثر بفكر وتعليم أبوليناريوس فى تعاليمه الكريستولوجية. ولكن القديس أثناسيوس قد شرح هذا الأمر باستقامته المعروفة فى التعليم فى رسالته إلى أبيكتيتوس. وقال أن عبارة القديس يوحنا الانجيلى أن "الكلمة صار جسداً" (يو1: 14) تعنى أن "الكلمة صار إنساناً" وأن السيد المسيح قد اتخذ طبيعة بشرية كاملة من جسد وروح عاقلة. فقال القديس أثناسيوس: [ لأن القول "الكلمة صار جسداً" هو مساو أيضاً للقول "الكلمة صار إنساناً" حسب ما قيل فى يوئيل النبى "إنى سأسكب من روحى على كل جسد" لأن الوعد لم يكن ممتداً إلى الحيوانات غير الناطقة، بل هو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرب إنساناً].[2]

وقال أيضاً فى نفس الرسالة: [إلا أن خلاصنا، فى واقع الأمر، لا يعتبر خيالاً، فليس الجسد وحده هو الذى حصل على الخلاص، بل الإنسان كله من نفس وجسد حقاً، قد صار له الخلاص فى الكلمة ذاته].[3]


وكذلك يتضح من شرح القديس أثناسيوس لقول السيد المسيح عن اليوم الأخير "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ولا الابن إلا الآب" (مر13: 32). أن السيد المسيح باعتباره كلمة الله العارف بكل شئ بما فى ذلك اليوم الأخير؛ وقد أخلى نفسه ووجد فى الهيئة كإنسان وأخذ صورة عبد. فهو لم يقبل من حيث إنسانيته وذهنه البشرى أن يقتنى معرفة اليوم الأخير؛ متنازلاً عن هذه المعرفة بحسب التدبير إلى أن صعد إلى السماوات ورُفع فى المجد.

وبهذا قد ورد فى الفقرة (45) من رسالته الثالثة ضد الأريوسيين ما نصه: "المحبون للمسيح والذين يحملون المسيح، يعرفون أن الكلمة قال لا أعرف، لا لأنه لا يعرف، إذ هو باعتباره الكلمة يعرف (كل شئ)، ولكن لكى يظهر الناحية الإنسانية، إذ أن الجهل خاص بالبشر." ([4]) 

وقال أيضاً فى الفقرة (46) من نفس الرسالة: "عندما سأله تلاميذه عن النهاية، حسناً قال حينئذ "ولا الابن ".. لكى يظهر أنه كإنسان لا يعرف. لأن الجهل هو من خصائص البشر، ولكن إذ هو الكلمة، وهو الذى سوف يأتى، وهو الديان، وهو العريس، فهو يعرف متى وفى أية ساعة سيأتى، ومتى سيقال "استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضئ لك المسيح" (أف 5: 14). كما أنه إذ صار إنساناً فهو كان يجوع ويعطش ويتألم مع الناس. هكذا مع الناس كإنسان لا يعرف، رغم أنه كإله إذ هو كلمة الآب وحكمته فهو يعرف، ولا يوجد شئ لا يعرفه." ([5])

من الواضح هنا أن القديس أثناسيوس ينسب المعرفة إلى السيد المسيح بحسب لاهوته وعدم المعرفة بحسب ناسوته. أى أنه قد شرح وعلّم بوجود ذهن إلهى وذهن بشرى للمسيح فى آن واحد ولم يتجاهل العقل البشرى الذى لروحه الإنسانية، والذى لم يتلاش بسبب الاتحاد التام والطبيعى بين ما هو إلهى وما هو إنسانى فى المسيح بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير وبغير انفصال ولا تقسيم.

هل الروح العاقلة التى فى الطبيعة البشرية للسيد المسيح هى شخص؟

حدث خلط عند الأبوليناريين ومن بعدهم النساطرة بين مفهوم الشخص ومفهوم الطبيعة وخصوصاً من جهة خاصية العقل.

العقل هو خاصية من خصائص الطبيعة وليس هو الشخص فى حد ذاته. فالشخص العاقل يمتلك ويحمل طبيعة عاقلة. أى أن الشخص هو حامل الطبيعة. فإذا كانت طبيعته إلهية فهو يعقل كإله وإذا كانت طبيعته بشرية فهو يعقل كإنسان وإذا كانت طبيعته ملائكية فهو يعقل كملاك وهكذا.

وقد ملك السيد المسيح الطبيعة الإلهية العاقلة.. أى أنه كان يملك الجوهر الإلهى العاقل منذ الأزل وظل يملكه بغير تغيير. ولما صار إنساناً، صار يملك أيضاً ذهنية البشر أو العقل البشرى الخاص به لنفس شخصه المبارك. فأصبح له بالإضافة إلى ذهنه الإلهى، فكر الإنسان وأسلوبه فى التفكير وذاكرته أو ذهنية الإنسان بالطبيعة، فى وحدة غير ممتزجة بين الطبيعتين بلا تغيير، ولا تلغى الواحدة منهما الأخرى أو تلغى خصائصها بسبب الاتحاد.
--------------------------------------------------------------
[1]St. Athanasius, Four Discourses Against the Arians (Discourse III) Part 45, N. & P.N. Fathers, Second Series, Vol. IV, p. 418, September 1978.

[2]Ibid. p. 419.

[3] C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, Vol III, AMS Press 1972, p.2 reprinted from the edition of 1883 Edinburgh

[4] St. Athanasius, Letter to Epictetus, par.8, N.&P.N. Fathers, Oct. 1987, Eerdmans, second series, vol. IV, P.573.

[5] Ibid, par.7, P.572,573


reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات