وتعقيباً على ذلك فإن كل المشكلة التى يثيرها هذا الهرطوقى ينحصر حلها حسب شرح القديس كيرلس الكبير فى أن الله الكلمة قد اتخذ طبيعة إنسانية كاملة بلا خطية وجعلها واحداً مع لاهوته فى شخصه الخاص، أى أنها قد تشخصنت فيهpersonalized in Him وصار له فى تجسده وهو نفسه الله الكلمة كل ما للطبيعة البشرية من خصائص ما خلا الخطية وحدها. فإذا تألم فإنه يتألم فى جسده الخاص وإذا مات بانفصال روحه الإنسانى من جسده البشرى فإنه يموت بحسب إنسانيته، أو يموت بالجسد، وليس بحسب ألوهيته، لأن اللاهوت لا يتأثر بهذا الموت. فنحن لا ننسب الموت إلى اللاهوت أى إلى الطبيعة الإلهية.
هناك فرق بين أن ننسب الموت إلى الله الكلمة باعتبار أنه هو نفس الشخص الذى تجسد، وبين أن ننسبه إلى طبيعة الله الكلمة الإلهية، بل كما قال القديس كيرلس أن كل ما ينسب إلى جسد الله الكلمة الخاص فإنه ينسب إليه. إننا نقول أن الله الكلمة مات، أى مات بحسب الجسد، ولا نقول إطلاقاً أن لاهوت الله الكلمة قد مات. وهنا يكمن الفرق الأساسى بين ما نعلّم به وبين ما ينسبه إلينا نسطوريوس.
نقول إن الله الكلمة ولد من العذراء "التى ولدت الله الكلمة بالحقيقة"، ولكن لا نقول أن لاهوت الله الكلمة قد اتخذ له بدءًا من العذراء مريم. بل نقول إن الله الكلمة قد تجسد فى بطنها وولد منها بحسب الجسد أو بحسب طبيعته الإنسانية دون أن يتغير فى ألوهيته. {لم يزل إلهاً أتى وصار ابن بشر لكنه هو الإله الحقيقى أتى وخلصنا} (من ثيئوطوكية الخميس فى تسبحة نصف الليل).
شرح: إذا افترضنا وجود شخص اسمه جرجس وقد ضُرب، نقول ضُرب جسد جرجس. ما الذى ضُرب؟ جسد جرجس. من الذى ضُرب؟ جرجس. وهكذا نقول أن الله الكلمة اتخذ جسداً صار هو جسده الخاص، فنقول ضُرب جسد الله الكلمة، فما الذى ضُرب؟ جسد الله الكلمة. من الذى ضُرب؟ الله الكلمة، وليس لاهوت الله الكلمة.
إذا عدنا مرة أخرى إلى جرجس، جرجس هذا له جسد وله روح وهو شخص واحد، لكن إذا قلت ما الذى ضُرب تتحدد الإجابة بأنه جسد جرجس هو الذى ضُرب، لأن روحه لم يصبها الضرب. أما إن قلنا من الذى ضُرب فنقول جرجس. أى شخصه هو الذى ضُرب. هذه المقولة يفهمها طفل لا يتعدى عمره السبع سنوات ولم يفهمها بطريرك القسطنطينية.
ما الذى صُلب؟ الذى صلب هو جسد الرب يسوع المسيح. من الذى صُلب؟ الذى صلب هو يسوع المسيح. وحينما نقول أن الله الكلمة تجسد وظهر فى الجسد، من إذن الذى ولد من العذراء؟ الذى ولد من العذراء هو الله الكلمة. ما الذى ولد من العذراء؟ جسد الله الكلمة المتحد باللاهوت. فكل ما يقال عن جسد الله الكلمة نقصد به الجسد المتحد باللاهوت.
لقد حاول البابا كيرلس عمود الدين كثيراً أن يشرح ويوضح الأمور لنسطور دون جدوى. وقال له أن ما ينسب إلى جسد الله الكلمة ينسب إلى الله الكلمة. وقال له: يعتبر فاقد العقل من يقول أن اللاهوت تغير أو أنه اتخذ بدء من العذراء أو أن اللاهوت تألم. وقال له: لأننا نقول أن من ولد من العذراء هو الله الكلمة لذلك لابد أن نسميها والدة الإله على اعتبار أن من ولد منها ليس آخر. لأن "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8).
منذ الأزل هو يسوع المسيح ابن الله، وفى قانون الإيمان الذى يعترف به نسطور نفسه نقول "نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور". فهل ولد يسوع الناصرى من الآب قبل كل الدهور؟ للرد نقول أن الذى ولد من العذراء هو نفسه المولود من الآب قبل كل الدهور ومن هنا أتى البابا كيرلس عمود الدين بقاعدته الذهبية حينما قال: إن الله الكلمة له ميلادان الأول من الآب قبل كل الدهور بحسب اللاهوت، والثانى من العذراء فى ملء الزمان بحسب الناسوت.
فكيف يقبل نسطور قانون الإيمان النيقاوى-القسطنطينى (نيقية 325م والقسطنطينية 381م ونسطور حوكم 431م). لم يرتقى إلى الكرسى البطريركى إلا بعد أن أقر قانون الإيمان النيقاوى-القسطنطينى.
تعليقات
إرسال تعليق