الخطأ المشترك لنسطور مع أبوليناريوس Apollinaris of Laodicea هو أن نسطور اعتبر أن الروح الإنسانى للمسيح هو شخص إنسانى. على اعتبار أنه أكّد أن الطبيعة البشرية للمسيح لا يمكن أن يتم بها فداء البشرية إلا إذا كانت طبيعة بشرية كاملة. أى أن إنسانية المسيح لا يمكن إطلاقاً أن تتكون من جسد فقط ذا نفسٍ حية بدون الروح العاقل الذى يميّز الإنسان عن الحيوان، وإلا كيف يخلّص المسيح أرواح البشر من الهلاك الأبدى.
لأنه كما قال القديس غريغوريوس: "مالم يتخذ لا يخلص"[1] أى ما لم يتخذه الله الكلمة فى تجسده ويوّحده مع لاهوته لا يمكن أن ينال الخلاص. فإذا اتخذ جسداً فإنه يخلّص الجسد. وإذا اتخذ روحاً فإنه يخلّص الروح. وإن اتخذ جسداً متحداً بروح إنسانية، فإنه يخلّص أجساد البشر وأرواحهم. فإنه باختصار ينبغى أن يتخذ الله الكلمة فى تجسده طبيعة بشرية كاملة لا ينقصها جسد ولا ينقصها روح.
ونحن لا نختلف مع نسطور فى إصراره على وجود الروح الإنسانى العاقل فى المسيح. ولكننا نختلف معه فى أنه اعتبر أن الروح الإنسانى العاقل فى المسيح لابد أن يكون شخص بشرى مختلف عن شخص الله الكلمة.
وإلى جوار أن نسطور قد اعتبر أن الله الكلمة قد اتخذ شخصاً من البشر، فإنه لم يقبل فكرة الاتحاد بين الطبيعتين بل قال أن الله الكلمة قد سكن فى الإنسان يسوع. وأن العلاقة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية هى علاقة اتصال خارجىconjunction وباليونانية suna,feia، وليست اتحاداً union وباليونانية e[nwsij. ويعتبر إن الاتحاد الحادث هو اتحاد خارجى لأشخاص فى الصورة والكرامة والسلطة، وليس اتحاداً للطبائع. واعتبر أن اللاهوت منزه عن الاتحاد بالناسوت وأنه أيضاً منزه عن الاتصال بالجسد.
ولكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد فى هرطقة نسطور؛ لأنه أراد أن يرد على أكثر من بدعة فى تعليمه بطريقة عقلانية خالية من ومضة الإنارة الروحية. فنظراً لأن الأريوسيين كانوا فى صراع عنيف مع الأرثوذكس فى نواحى القسطنطينية، فقد حاربهم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، الذى جاء من أنطاكية وكان قسيساً وواعظاً بها، ففى صراعه ضد الأريوسيين سقط فى هرطقته ووسّع فيها.
كان الأريوسيون يقولون: كيف يموت الله؟! أى إذا كان المسيح هو الله فكيف يموت؟! وحاول نسطور أن يعمل عملاً بطولياً للدفاع عن ألوهية أقنوم الكلمة، أى الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسى فى مساواة الابن للآب، ففى غروره وفى اعتقاده أنه سوف يصير بطلاً من أبطال الأرثوذكسية فى الدفاع عن ألوهية الابن الوحيد، قال رداً على الأريوسيين: لم يمت الله الكلمة على الصليب بل مات الإنسان يسوع، وبذلك رفض أن يكون يسوع هو إله حقيقى. كما قال لم يولد الله الكلمة من العذراء مريم، بل وُلد الإنسان يسوع، وبذلك رفض تسمية العذراء والدة الإله. وكان يرد بهذا على الأريوسيين الذين قالوا: كيف يولد الله من امرأة ؟! ألا يعتبر ذلك تجديفاً على الله؟!
ففى حماسته للدفاع عن مساواة الابن للآب ابتدع هذه الفكرة مقتفياً آثار وخطوات معلمه ثيئودور الموبسويستىTheodore of Mopsuestia ومعلم معلمه ديودور الطرسوسى Diodore of Tarsus. وقال إن كل كائن يلد كائناً من طبيعته، فالآب يلد الابن وبهذا يكون الابن الكلمة إله حق من إله حق. والعذراء تلد الإنسان يسوع وبذلك يكون يسوع هو ابن الإنسان. وبهذا فقد رفض أن يدعو العذراء مريم والدة الإله. وحارب بكل قوته ضد لقب الثيئوطوكوس Theotokos (God bearer).
واعتقد نسطور إنه قد تخلّص من هجوم الأريوسيين حينما قال إن ابن الله الوحيد الإله الحقيقى لم يمت على الصليب ولم يولد من العذراء مريم، ولكنه سكن فقط فى الطفل الذى تكوّن بالروح القدس فى أحشائها؛ سكن فى الجنين منذ اللحظة الأولى لتكوينه، ورافقه من البطن وقواه فى آلامه وأقامه من الأموات. واعتبر نسطور أن الله منزه عن الاتحاد بالمادة، وأن اللاهوت لم يتحد اتحاداً طبيعياً ولا أقنومياً بالناسوت. وأن الاتحاد هو فى الكرامة والإرادة والسلطة فقط اتحاداً خارجياً بين شخصين. وقال: أنا أفصل بين الطبيعتين ولكنى أوحّد العبادة. فمن أجل كرامة الإله الحال فى الإنسان، يعبد الإنسان مع الإله. وبهذا سقط فى الشرك الواضح الذى جعل المسيحية تبدو وكأنها عقيدة منحرفة. لأن المسيحية بالصورة التى علّم بها نسطور تجعل من يسوع وكأنه إنسان وقد صار معبوداً مساوياً لله فى المجد والكرامة. وبعد أن جعلته فى مصاف الأنبياء الصالحين، بمعنى إنه إنسان يسكن فيه الله وليس هو نفسه الله الظاهر فى الجسد، عادت فساوت كرامته ومجده وسلطانه بكرامة ومجد وسلطان الله ذاته. أليس هذا تأليهاً للإنسان؟!! وبسبب نسطور عانت المسيحية على مر العصور.
[1] P. Schaff & H. Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, series 2, vol. VII, St Gregory of Nazianza, Ep. To Cledonius the Priest Against Apollinarius, Eerdmans Oct. 1987, p.440
تعليقات
إرسال تعليق