بعض الهرطقات عاشت فى الكنيسة فترة
ولكن الظروف لم تتهيأ لعقد مجمع مسكونى لإدانتها رسمياً. فالآباء من هنا
وهناك كانوا يردّون على تلك الهرطقات ويدينونها، لكن لم يكن يعقد مجمع إلا إذا
بدأت بدعة ما تؤدى إلى انقسام فى الكنيسة. فعلى سبيل المثال انعقد المجمع المسكونى
الأول ليس لأن بدعة أريوس هى أول هرطقة ظهرت فى الكنيسة ولكن لأن الامبراطور
قسطنطين، وقد بدأ يؤمن بالمسيحية (ولكنه لم يكن قد تم عماده بعد)، شعر أن أريوس
بعد أن حُكم عليه وعلى تعليمه بالحرم بواسطة مجمع الإسكندرية عام 318م برئاسة
البابا ألكسندروس (يرجِّح المؤرخ هيفيلى أن مجمع الإسكندرية انعقد عام 320م)[1] ،
قد يتسبب فى انقسام فى الامبراطورية، إذ أنه بعد حرمه ترك الإسكندرية وذهب إلى
نيقوميدية (والبلاد الواقعة على الساحل الغربى من البحر المتوسط أى شرق مصر) وهناك
بدأ فى نشر أفكاره واستطاع أن يؤثر على أسقفين هما يوسابيوس النيقوميدى ويوسابيوس
القيصرى.
كان الصراع الأريوسى
محتدم فى الإسكندرية بين أريوس وأتباعه وبين البابا ألكسندروس ومن معه[2]،
أما بخروج تأثيره خارج نطاق الإسكندرية فقد كاد أن يتسبب فى انقسام
الإمبراطورية الرومانية وهذا ما أدى إلى عقد المجمع المسكونى الأول فى نيقية.
لكن هذه لم تكن أول هرطقة تظهر فى الكنيسة.
هناك هرطقات كثيرة لم
تعقد بسببها مجامع مسكونية، واكتفت الكنيسة بإدانتها أو أخذ موقف من مبتدعها، ربما
فى مجمع مكانى أو بصورة أخرى، وقد تنوعت الصور على مر السنين.
كما أنه حدث فى بعض
الأحيان أن حرمت الكنيسة البدعة بعد أن يكون صاحبها نفسه قد مات. فربما لم تكن
البدعة فى أثناء حياته قد بلغت ذروتها، أما بعد أن روَّج لها تلاميذه بعد مماته
أكثر مما كان الحال أثناء حياته، صارت تمثل خطورة اضطرت الكنيسة للتصدى لها. ولذلك
أدين مقدونيوس فى مجمع القسطنطينية وعزل من كرسيه كبطريرك للقسطنطينية، كما أدينت
بدعتين قديمتين سابقتين لزمان انعقاد المجمع وهما هرطقتى سابيليوس وأبوليناريوس.
أى أن المجمع قد عُقد أساساً من أجل هرطقة مقدونيوس لكن الآباء انتهزوا الفرصة
لتطهير الأذهان من هرطقات أخرى لم تعقد بسببها مجامع. لذلك تم الحكم على سابيليوس
وأبوليناريوس وهرطقتيهما.
[1] C.J. Hefele, A History of the
Councils, from the original documents, AMS Pres 1972, reprinted from the
edition of Edinburgh T. & T. Clark, 1894, Vol. 1 p. 247
3 هناك من
يخضعون للكنيسة ورئاستها وهناك من تغويهم وتستهويهم الأفكار الغريبة لأنهم
بطبيعتهم يحبون الغواية وهذا هو الحال من جيل إلى جيل.
تعليقات
إرسال تعليق