القائمة الرئيسية

الصفحات

مشاركات المدونة

السيد المسيح له المجد كان يعلّم باستمرار، فى كل مكان وفى كل وقت. وكانوا يدعونه "يا معلم" أو "أيها المعلم الصالح". وهو كمثالى فى كل شئ، كان يدعو إلى المثاليات. وفى مقدمة ذلك كان يدعو إلى الكمال، إذ يقول "كونوا كاملين، كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل" (مت 5: 48).

+ وطبعاً الكمال الذى يدعو إليه السيد المسيح هو الكمال النسبى، لأن الكمال المطلق هو لله وحده لا غير...

والكمال النسبى نسميه كذلك. نسبة إلى ما عند الإنسان من مقدرة وإمكانيات، ونسبة لما يمنحه الله من معونة ومن قوة للسير فى الطريق الروحى، وما يعطيه أيضاً من نعمة تساعده وتقويه. وكذلك نسبة إلى مدى تجاوب الإنسان مع عمل الله فيه، ومع عمل الله معه.

+ وحياة الكمال الروحى تشمل علاقة الإنسان بالله ? تبارك اسمه ? وعلاقته بالناس، وعلاقته بنفسه أو بذاته.

أما عن علاقة الإنسان بالله، فقد لخصها بقوله "تحب الرب الهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك" (مت 22: 37). وعبارة "من كل قلبك"، تعنى أنه لا يكون فى قلبك أى منافس لله. فلا تحب شيئاً ولا شخصاً ضد محبتك لله، ولا أزيد من محبتك لله. وفى ذلك يقول السيد الرب "من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقنى. ومن أحب إبناً أو إبنة أكثر منى، فلا يستحقنى".

+ ومحبتنا لله تعنى أن نطيعه فى كل شئ. فهو يقول "من يحبنى، يحفظ وصياى". وإن حدث وكسرنا إحدى وصاياه، فعلينا بالتوبة سريعاً. فالتوبة هى شرط لازم لمغفرة الله لنا. فهو يقول "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون".

ولكى ننال مغفرة الله لنا، علينا أن نغفر أيضاً لمن أذنب إلينا. ونحن نقول فى صلواتنا اليومية باستمرار: "اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً لمن أذنب إلينا". وعلمنا السيد المسيح قائلاً "إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوى زلاتكم".

+ وفى محبتنا لله علينا أن نطلب فى كل حين ملكوته. والسيد المسيح قد تحدث كثيراً عن ملكوت الله، وملكوت السموات. وعلّمنا فى صلواتنا اليومية ? التى نرددها مرات عديدة كل يوم ? أن نقول لله باستمرار "ليأتِ ملكوتك". وهذه الطلبة تعنى العديد من المعانى: منها أن يأتى ملكوتك علينا، على قلوبنا وأفكارنا ومشاعرنا وحواسنا. فتملك أنت يارب كل ما فينا. وتملك! إرادتنا. ونكون كلنا لك، نفعل فى كل حين ما يرضيك حسبما نقول هذه الطلبة دوماً فى صلاة باكر.

وكلمة "ليأت ملكوتك" تعنى أيضاً أن يملك الله على العالم وما فيه. فلا يملك الشيطان وينشر الفساد واللهو والحروب والكروب والعداوت. بل الله هو الذى يملك، فينشر فى العالم السلام والمحبة والرخاء.

وكلمة "ليأت ملكوتك" تعنى أن يملك الله على سائر الناس، ويقودهم إلى حياة البر والفضيلة.

+ ومن كمال محبتنا لله. الصلاة الحقيقية، التى ليست من الشفتين، بل من القلب. فإن الله وبّخ الشعب قديماً قائلاً "هذا الشعب يكرمنى بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيداً". لذلك ليس كل من يقول "يارب يارب" يدخل ملكوت الله، بل الذى يفعل مشيئة الله.

وفى كمال الصلاة، قال السيد المسيح "صلوا كل حين ولا تملوا" "صلوا بلا انقطاع". ومعنى ذلك انه لا يقتصر الإنسان على صلوات معينة، ويكتفى بذلك! بل فى كل حين يمكنه أن يرفع قلبه لله ويصلى...

+ ومن كمال محبتنا لله، أن نؤمن به، ونؤمن بعنايته بنا، واهتمامه بكل أمورنا. فقال السيد المسيح له المجد "لا تهتموا بما تأكلون وما تشربون... انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوى يقوتها. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها" "ولماذا تهتمون بما تلبسون؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنموا! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان فى كل مجده، كان يلبس كواحدة منها!!"... "الله يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. أطلبوا اولاً ملكوت الله وبره، وكل هذه تزدادونها"...

+ أما الكلام المطلوب من الإنسان، فيقول السيد المسيح: "طوبى للإنقياء القلب" "طوبى لصانعى السلام".

والقلب النقى لا يوجد فيه شر أبداً، بل لا توجد فيه سوى محبة الله، ومحبة الناس جميعهم. والقلب النقى لا تخرج من فمه كلمة خاطئة. وفى ذلك يقول السيد المسيح: "الإنسان الصالح: من كنز قلبه الصالح، يُخرج الصلاح. أما الإنسان الشرير فمن كنز قلبه الشرير، يُخرج الشرور.

إذن فالكلمة الشريرة، كلمة الإهانة والشتيمة، أو كلمة القسوة، أو كلمة التحقير، وما إلى ذلك... كل هذه مصدرها القلب. فهى خطية مزدوجة: خطية قلب ثم خطية لسان...

والسيد المسيح يحذر من خطايا اللسان، فيقول "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان". ويقول أيضاً "كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم، تعطون عنها حساباً فى يوم الدين". وعبارة "كلمة بطالة لا تعنى فقط الكلمة الشريرة، بل تعنى أيضاً كل كلمة ليست للبنيان، أى لا تنفع بشئ...

+ أما قول السيد المسيح "طوبى لصانعى السلام" فتعنى أن يكون بيننا وبين الآخرين سلام. وأيضاً أن نصنع سلاماً بين الآخرين بعضهم بعضاً. وأتذكر أننى كلما كنت أزور بيتاً من بيوت أبنائنا فى الغرب، كانت أول كلمة لى، وأنا أخطو أول خطوة، هى: قال ربنا يسوع المسيح: أى بيت دخلتموه، فقولوا سلام لأهل هذا البيت...

+ ولكى نصل إلى كمال السلام مع الناس، وضع لنا السيد المسيح قاعدتين: أولهما الاحتمال والتسامح، والثانية هى المغفرة للمسيئين. وفى ذلك قال لنا "سمعتم أنه قيل للقدماء: عين بعين، وسن بسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر... بل من أراد أن يخاصمك أو يأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً. ومن سخّرك ميلاً، فامشىِ معه اثنين.

+ ولعل من أكمل الوصايا التى قدمها السيد المسيح من جهة التعامل مع الأعداء أو المسيئين، هى قوله "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطرودنكم... لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأى أجر لكم؟! أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك؟!.

إن المسيحية تعتبر أن عدونا الحقيقى هو الشيطان أما الأعداء من البشر، فهم ضحايا للشيطان يحتاجون أن نصلى من أجلهم، ونحتملهم ونغفر لهم...

+ ومن كمال الوصايا التى وضعها السيد المسيح فى التعامل مع البشر، هى وصية العطاء، التى تسمى أحياناً بالصدقة. فقال "من سألك فاعطه. ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده". وهكذا رفع الناس من مستوى دفع العشور، الذى كان فى العهد القديم، واعتبره السيد المسيح مجرد الحد الأدنى للعطاء. وأمر بوصية الأهتمام بالجائع والعطشان والعريان، والغريب والمسجون. وقال "مهما فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر، فبى قد فعلتم (متى 25). ورفع مستوى العطاء إلى الكمال فى قوله "ليس حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه".

+ ومن أجل تعليم السيد المسيح فى العلاقات مع الناس، هى قوله "مهما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا انتم بهم". وقوله أيضاً "بالكيل الذى به تكيلون، يُكال لكم".

فهذا هو الوضع الأصيل والكامل فى التعامل: أن نعمل مع الناس ما نشتهى أن يعملوه معنا...

+ ومن كمال ما يريده السيد المسيح فى علاقاتنا مع الأمور العالمية والمادية، هى قوله "ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه!! أو ماذا يعطى عوضاً عن نفسه؟! إن العالم كله. لا شئ بالنسبة إلى مصيرنا فى الأبدية.

reaction:
خادم أم النور
خادم أم النور
rabony333@gmail.com

تعليقات