+ الإنسان الوديع هو شخص هادئ لا حدة في صوته ولا صياح. وقد قيل عن السيد المسيح الوديع أنه: لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ.
+ الوديع لا يصرخ في الناس منتهراً، ولا يثور. أنه إنسان دمث الخلق، هادئ، يريد دائماً أن يكسب محبة الناس سواء على الأرض أو في السماء.
+ هنا وأحب أن أفرق بين هدوء الطبع، وبرودة الطبع ... فالإنسان الوديع الهادئ لا يثور على الناس، ولا يثيرهم. بينما البارد في طبعه، قد لا يثور، ولكن ما أسهل أن يثير ببروده! وذلك بأن يرد عليهم بردود باردة قد تتعب أعصابهم أو تحطمها. أمَّا الوديع فهو إنسان هادئ يشيع الهدوء في النفس وهو أيضاً طيب القلب، يحب أن يرضي الناس. يحب أن يكون في علاقة طيبة مع الجميع. فلا يغضب من أحد مهما حدث ... ولا يستريح إن ترك أحداً غاضباً عليه. بل يهمه أن الكل يدعون له بالخير.
+ والإنسان الوديع يكون هادئاً من الداخل كما من الخارج. إنه ليس مثل بعض الناس الذين يظهرون هادئين من الخارج، بينما في داخلهم ثورة وغليان. وهم يكتمون غضبهم لسبب روحي أو غير روحي، أو لسياسة ما، أو احتراماً لِمَن هو أكبر منهم أو خوفاً من نتائج الغضب ... أمَّا الوديع فهو هادئ تماماً. فمِن الداخل مشاعره وعواطفه وإحساساته في هدوء وسلام قلبي ... ومن الخارج له ابتسامة لطيفة بشوشة، يقابل بها أحاديث الناس ومعاملاتهم. ولا يحدث أن يراه الناس وقد اكفهرت ملامحه، أو احمرَّت عيناه. أمَّا الإنسان الذي يبدو هادئاً من الخارج، بينما يغلي في داخله، ليس هو وديعاً في الحقيقة. أقصى ما نقوله عنه إنه يحاول أن يتدرَّب لكي يصير وديعاً!
+ والإنسان الوديع لا ينتقم لنفسه. بل في كثير من الأحيان لا يُدافع عن نفسه، بل يترك اللَّه ليُدافع عنه. أنه كثيراً ما يتنازل عن حقوقه، بدون أن يحزن. فهو لا يشاء مُطلقاً أن يخسر أحداً من الناس بسبب هذه الحقوق. فسلامه مع الناس هو عنده أهم من التَّمسُّك بحقوقه. وهو يفعل ذلك تلقائياً، دون أن يناقش الأمر في داخله. وهو لا يحب أن أحداً يصيبه أذى بسببه، أو من أجله.
+ والإنسان الوديع يكون دائماً سهل التفهم، لا يتعب أحد في التعامل معه. إنه يحب باستمرار أن يكسب غيره، لا أن يكسب من غيره. وإذا ما تناقشت أو تحدثت مع إنسان وديع، تجده لا يُقاطعك في الكلام، ولا يحاول أن ينتصر عليك في المناقشة. بل يعطيك كل الفرصة أن تتكلَّم كما تشاء، وتقول ما تشاء، مادام الموضوع لا يمس عقيدة أو إيماناً. وفي الأمور الإيمانية يقول الرأي القوي بهدوء وبساطة، دون أن يجرح مَن يناقشه. ويترك قوة الرأي تتكلَّم، دون أن يقسو، ودون أن يفتخر. أمَّا في الأمور العادية، فلا يهمه أن ينتصر في نقاش. فليقل القائلون ما يريدون أن يقولون، إن كانت المسائل لا تعنيه.
+ وأحياناً يجلس في بعض المجالس صامتاً. ومادام ليس مكلَّفاً فيه بمسئولية، فلا داع له أن يظهر! وإن طلبوا إليه أن يتكلَّم رُبَّما يقول: " أنا أحب أن أسمع وأستفيد "، أو يقول: " البركة في فلان " ... وإن تكلَّم، قد يمتدح مَن سبقوه في الحديث، ولا مانع من أن يقول في كلامه: " على رأي فلان ... وفلان ... ". إنه إنسان لطيف، يحب الناس صمته وهدوءه إن صمت. كما يحبون كلامه وأسلوبه في الحديث، إن تكلَّم ...
+ إن الإنسان الوديع ناجح فى تعامله مع الناس: يحبهم ويحبونه. وإن سكت أحياناً، يكون ذلك بدافع من التواضع والحب، وليس عن انطواء. فهو يُعطي فرصة لغيره لكى يتكلم، ويقدم غيره على نفسه فى الكرامة. كما أنه يصمت أحياناً لكى يستفيد من حديث غيره، ويضيف معلومات جديدة إلى معلوماته. وهو أيضاً لا يميل إلى الدخول مع الناس فى صراعات الجدل، مفضلاً السلام ... وهو يرضي الذين يحبون الكلام.
+ والإنسان الوديع لا يضغط على أحد، ولا يستعمل العنف. ولا يلح على أحد إلحاحاً شديداً، لكى يأخذ موافقته على أمر من الأمور، بغير إرادته، بأسلوب الإلحاح والضغط! فهو لا يبحث عن راحته، وإنما عن راحة الناس. لذلك فإن الذين يعاشرونه، يشعرون براحة فى عشرته. ويقول كل من يعامله إنه يشعر براحة فى التعامل معه. والوديع لا يصر على أن ينتصر لفكرته أو رأيه فى الأمور العادية. أمَّا من جهة المبادئ السليمة فهو لا يتنازل. ولكن لا يتشاجر مع الغير بسبب ذلك. ولعل هذا الأمر يحتاج إلى حكمة تمتزج بالوداعة. ومن أجمل ما قيل فى ذلك: " مَن هو حكيم وعالم بينكم، فليرِ أعماله الحسنة في وداعة الحكمة ". لأن هناك ( حكماء ) قد يكونون في شرح حكمتهم عُنفاء، يصرون على رأيهم في غيرة وتحزُّب. وقد يسببون بذلك إنقساماً وتشويشاً!! فحكمة هؤلاء ليست روحية لأنها خالية من الوداعة. أمَّا الحكمة الوديعة فهى مسالمة مترفقة مملوءة أخباراً صالحة. وليست حكمة حقيقية، تلك التي تفقد أصحابها حياة الوداعة والهدوء، وتجعلهم عنفاء في الدفاع عن آرائهم! يجرحون كل من يهاجمهم، ويخدشون مشاعره!!
+ إن العُنف قد يكون إسلوباً سهلاً وقصيراً، يوصل بسرعة! ولكن الوديع لا يمكن أن يستخدمه. فإن أعطاه الرب حكمة، فإنه يوصلها إلى الناس بأسلوب هادئ، في طيبة في رقة في لُطف. ولا يغضب ولا يثور إن خالفوه في وقت، أو كانوا بطيئين أو متباطئين في التنفيذ... فإنه يصبر عليهم، ويطيل أناته، إلى أن يتمكنوا من التنفيذ. إنه يعطي فرصة لسامعه، ولِمَن يتتلمذ عليه، لكي يصل حسبما تسعفه إمكانياته. فإن لم يصل اليوم فقد يصل غداً أو بعد غد، دون التحكم في عامل الزمن، الذي تتحكم فيه أسباب عديدة.
+ من صفات الوديع أيضاً أنه متسامح: إن أخطأت في حقه، لا يخطأ في حقك. إن له طباعاً لا يستطيع أن يتجاوزها، وله مبادئ لا يمكنه أن يكسرها. فهو لا يستطيع أن يخطئ.
+ والإنسان الوديع لا يتحدث من فوق، من موقع السُّلطة، مهما كان في مركز عالٍ أو رئاسة. والناس يدافعون عن الوديع دون أن يُدافع هو عن نفسه.
تعليقات
إرسال تعليق