أمام
البشر جميعاً ثلاثة اتجاهات فى الحياة هى الإتجاه الفردى، والإتجاه الجماعى،
والإتجاه نحو الله ... وقد يختار البعض اتجاهاً واحداً من هذه الثلاثة يسلكون فيه
ويركزون عليه. وقد يجمع البعض بين اتجاهين. وما أقل الذين يسلكون فى الاتجاهات
الثلاثة كلها بحكمة
أما
الإتجاه الفردى واجبات الانسان نحو نفسه وحدها. بينما الإتجاه الاجتماعى فيشمل
واجبات الشخص نحو المجتمع الذى يعيش فيه. كما أن الإتجاه الثالث فيهتم النسان
بواجباته نحو الله فى العبادة والسلوك الروحى.
الإتجاه
الفردى فيه يهتم الانسان كيف يبنى ذاته فى كل ما يرفع مستواه:
+
كأن يهتم بعقله وذكائه وفهمه: وينمى مواهبه فى ذلك،
كما يعمل على اكتساب مواهب أخرى. وربما يدخل فى تدريبات عقلية لتنمية الذاكرة أو
الفهم، أو الاستنتاج، أو سرعة البديهة، أو حل مشكلات عقلية أو ألغاز لتنمية الذكاء
أو قوة الملاحظة... فيصير بهذا كله شخصاً لماحاً، يدرك بسرعة ما لا يدركه غيره.
وينظر الى الأمر الواحد من عدة زوايا. ويحسب توقعات لكل ردود الفعل لكل عمل يقوم
فيه. وبهذا يكتسب فراسة تنفعه...
+
وقد يهتم بثقافته ومعرفته: فيضيف الى عقله وذكائه
كثيراً من المعلومات فى عديد من العلوم والفنون. ويصبح واسع الإطلاع له دراية
بأمور متعددة سواء من الناحية النظرية أو الناحية العملية والخبرة ...
+
وقد يهتم أيضاً بأن تكون له نفسية سويّة: بعيدة عن الخوف والإضطراب والقلق. وما إلى ذلك من الأمراض النفسية. وإن
كان يحاربة شئ من هذا كله، يحاول أن يحلله ويعرف أسبابه ويعالجه، حتى لا يقع
فيه... وهكذا يصل الى الصفاء النفسى...
+
وقد يهتم البعض برفاهية نفسه ومتعتها: فيحيطها بكل ما يمكنه من أسباب التسلية والمتعة، بحيث أن تكون بريئة.
وهكذا يقضى وقته فى ألوان من الترفية من قراءات والعاب وموسيقى ومن سائر الفنون...
والبعض يجد متعة فى نوع من الرياضة يمارسه أو ينبغ فيه أو يكتفى بالفرجة على
أبطاله.
+
وربما يهتم البعض بقوة جسده أو صحته: ويرى أن ذلك يساعده على رفاهية الحياة والبعد عن المرض والألم. لذلك يضع
لنفسه نظاماً ثابتاً للراحة، ونظاماً يومياً للرياضة، ونظاماً فى التغذية
والتقوية...
إن كان رجلاً يهمه قوة جسده وصحته. وإن كانت إمرأة فإنه يهمها جمال جسدها
ورشاقته. وكل من الإثنين يبذل وقتاً من أجل الإهتمام بالجسد.
وغالبية
الناس- من الناحية الفردية- يهمهم النجاح فى الحياة:
سواء
الطالب فى دراسته، أو الموظف فى عمله، أو رجل الأعمال فى مشروعاته، وبالمثل العالم
والمفكر. كذلك رب الأسرة وصاحب أى مسؤلية، يهمه النجاح فى مسؤليته.
ولكن
يختلف الناس فى مستوى النجاح الذين يسعون اليه: هل هو نجاح عادى أم متفوق أم
عبقرى، أم له رقم قياسى ... كما يختلفون فى طريقة الوصول الى هذا النجاح. والبعض يقيس
نجاحه بالمركز الذى يصل اليه فى حياته العملية. والبعض الآخر يقيس نجاحه بمدى
اتقانه للعمل الذى يعمله مجرداً من عنصر المكافأة عليه.
كل
هذا وما يشبهه يدخل فى الاتجاه الفردى.
الإتجاه
الإجتماعى: وفيه الفضائل التى يمارسها الانسان وسط
الناس أو فى علاقته معهم.
ومنها:
فضيلة الاحتمال وعدم الغضب أو النرفزة: سواء
الغضب داخل نفسه من تصرفات تحدث له من آخرين، أعنى الغضب المكبوت. أو غضب آخر ثائر
لا يستطيع ضبطه، ويكون له أثره فى علاقته مع غيره. يضاف اليه ما يصاحب هذا الغضب
من أخطاء ومن قرارات لها خطورتها...
+ فالانسان الفاضل على المستوى الاجتماعى يضبط نفسه وقت الغضب: ويحرص ألا تصدر منه إهانة لغيره أثناء غضبه، ولا جرح لشعوره. لابكلمة شتيمة
ولا بكلمة تهديد. كما يحرص ألا يفقد أعصابه ويعلىّ صوته.إنما يكون متزناً مالكاً
لنفسه. لا تزعزعه إهانة من غيره، ولا تهبط بمستواه. كذلك فى غضبه لا يستخدم العنف
الجسمانى، كالذى يدخل فى عراك يستعمل فيه الضرب واللكم أو ما هو أسوأ من ذلك. فإن
هذا كله يهبط بمستواه الإجتماعى، وهو ضد كرامته وسمعته وسط الناس.
+
البعد عن الغضب فضيلة سلبية، تقابلها إيجابياً البشاشة والوداعة: فالانسان الفاضل اجتماعياً يكون بشوشاً له ملامح مريحه تجعل الآخرين
يحبونه. وقد يتصف بالمرح البرئ وباللطف وبروح الدعابة، فيفرح من يختلط به، وتلذ له
عشرته. ويبسط على جلسته مع الآخرين روح الصفاء والود.
وهو
يتصف بالوداعة وطيبة القلب، وسعة الصدر فى التعامل مع الآخرين. ولا يسمح بأن تتأزم
الأمور بينه وبين غيره. وما أسهل أن يرد على إساءة الغير بفكاهة تجعلة يبتسم،
وتزول روح التوتر..
وهكذا
ينطبق عليه المثل العامى بأنه (انسان بحبوح)
+
وعكس ذلك كله- من الناحية الإجتماعية – الانسان النيكدى: الذى بروح النكد يخسر الناس. فالآخرون يبعدون عن عشرته خوفاً من أن يفقدوا
معه سلامهم الداخلى. ومن أمثلة ذلك الزوجة النكدية التى فى كل مرة تقابل زوجها
بالبكاء والحزن، والتحقيقات الكثيرة، والعتاب الشديد على أتفه الأمور ..! وبهذا
تجعل زوجها يهرب من منزله، ويفضّل قضاء الوقت مع أصدقائه بعيداً عن النكد
..!
+
الرجل الفاضل، يتصف أيضاً بالتعاون، وحسن التعامل، وخدمة الغير: فهو لا يعيش لنفسه فقط، إنما يكون خدوماً للآخرين، يساهم معهم فى أمورهم
ويتعاون معهم. ولا يدخل فى مشاكل مع أحد. ويتحاشى كل ما يضر بالغير. يجد فيه الناس
حسن التعامل، فيطمئنون اليه ويحبونه.
ويتبادلون
معه نفس الروح والأسلوب. ويرتبط بالصداقة مع كثيرين.
+
والانسان الفاضل اجتماعياً، يتميز بالكلام الطيب: حقاً
إن الانسان: بكلامه يتبرر، وبكلامه يدان. والرجل الفاضل لا تصدر منه الا الكلمة
الحلوة التى تجذب الناس اليه. وله اللسان النقى، الذى لا يجرح ولا يُحرج...
+
وهو يتميز أيضاً بالصدق: وصدقه يجعله موضع ثقة
الناس. فهم يطمئنون الى صحة كلامه، وصحة ما ينقله اليهم من الأخبار، وبخاصة اذا ما
كان يتميز أيضاً بالدقة التامة وعدم المبالغة. أما الكذوب فيفقد ثقة الآخرين
وبخاصة اذا انكشف، وهو يفقد احترام الناس مهما كان مركزه.
+
والرجل الفاضل يتميز أيضاً بعفة اللسان: فهناك
ألفاظ لا يستطيع الانسان العفيف أن ينطق بها، إن كانت خارجة عن حدود الأدب أو
الذوق، أو تخدش مسامع الفضلاء! لهذا فهو مهذب فى ألفاظه، ينتقيها انتقاًء. وهو
يبعد عن الألفاظ الجنسية، وعن الفكاهات الرديئة وعن الفاظ المجد، وعن الشتيمة
والسباب، وعن التشهير ومسك سيرة الآخرين، أو تناولهم بالتهكم والحط من قيمتهم...
+
والانسان الفاضل يستفيد الناس من علمه ومعرفته وحتى من أسلوب كلامه: وهو لا يضيع وقت غيره فى ثرثرة، ولا يتحدث فى أمور ليست من اختصاصه، ولا من
تخصصه. بل يقول الكلمة المتزنة الموثوق بها التى لها مراجعها، والكلمة التى تضيف
الى سامعه ما ينفعه وما يحتاج اليه...
+
الانسان الفاضل من صفاته أيضاً الشفقة والعطاء: كما
لو كان كل من يقابله يأخذ منه شيئاً... إن لم يكن نفعاً مادياً، فعلى الأقل يحس
أنه يشعر باحتياجاته وظروفه ويتعاطف معه فى إشفاق وبإخلاص...
+
كذلك الانسان الاجتماعى الفاضل هو انسان عادل منصف: يعطى
كل ذى حق حقه. لا يظلم أحداً، ولا ينحاز الى أحد ضد أحد. بل هو منصف فى كل أحكامه
ومعاملاته. ويأخذ للآخرين حقهم حتى من نفسه! ولا يمكن أن يرتفع على حساب غيره، أو
ينال راحته على تعب غيره. وهو مستعد أن يعتذر لأى انسان له حق عليه، فينصفه ويعطيه
حقه...
+
والانسان الاجتماعى الناجح يتصف بالنشاط والحيوية: إنه
لا يكون خاملاً أبداً فى المجتمع الذى يعيش فيه . بل هو شعله من نشاط. أينما حلّ
يملأ المكان حركة وبركة. وكل مسئولية يقوم بها، يظهر فيها إنجازه وأنتاجه، ويشعر
الكل أنه دائماً يعمل. وهو لا يكسل ولا يبحث عن راحته، بقدر ما يسعى الى نجاح
العمل. وهكذا يعجب الناس بحيويته، ويصبح موضع ثقة فى كل ما يتولاه من مسئوليات،
غير شهوته لمسؤليات أكبر..
تعليقات
إرسال تعليق