إذن لا يمكننا أن نقبل هرطقة سابيليوس التى تقول بالأقنوم الواحد لأن الديانة المسيحية مؤسسة على أن "الله محبة. ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه" (1يو 4 : 16). وقيل أيضاً "من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1يو 4 : 8).
إن الله محبة، فالمحبة هى صفة جوهرية فى الله، ولابد أن يمارسها ممارسة حقيقية قبل أن يخلق الخليقة. ولا يمكن أن نتصور الجوهر الإلهى بدون هذه الصفة! ونظراً لأن وجود الجوهر الإلهى لا يتوقف على وجود الخليقة وإلا كانت الخليقة هى جزءً من الله، أو هى الله، وهذا مستحيل[1]، إذن فالحب هو فى الله قبل كل الدهور وقبل أن توجد الخليقة، ولا يمكن أن يوجد الحب دون أن توجد الأقانيم التى تتبادل هذا الحب.
والحب الثالوثى غير المحدود، هو كمال المحبة المطلقة. لهذا قال السيد المسيح قبل صلبه للآب "لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). وقال أيضاً عن تلاميذه: "وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم" (يو 17 : 26). إذن فرسالة السيد المسيح كانت تهدف إلى مصالحة الإنسان مع الله بالفداء لكى يتمكن من التمتع بهذا الحب الذى تتبادله الأقانيم قبل كون الخليقة. ولا يمكن أن يُفهم الله فهماً حقيقياً إلا من خلال هذا المنظور.
فعقيدة سابيليوس تؤدى إلى انهيار الديانة المسيحية. لأن معناها أن الله إذا أحب قبل أن يخلق الخليقة فإنه سوف يحب ذاته وهذه أنانية نربأ بها عن الله. وقد صدق أحد الفلاسفة المسيحيون الفرنسيون حينما قال : "أن نحب معناها أن نوجد – وأن نوجد معناها أن نحب" أى أن الوجود بدون المحبة يفقد قيمته ومعناه.
-------------------------------
1- لو لم يكن ممكناً أن يوجد الله بدون الخليقة فهذا معناه أن الخليقة هى جزء منه وأن لها صفة الأزلية مثله كما أن وجوده مرتبط بوجودها وهذا مستحيل. الخليقة ليست هى الله وليست جزءً منه!
تعليقات
إرسال تعليق