لم تمر مدة طويلة على بداية الصراع النسطورى حتى تم اقتراح عقد مجمع مسكونى لتسويته، وقد طلب ذلك بوضوح كل من الأرثوذكس وأيضاً نسطور. ([1]) ففى خطاب نسطور الثالث إلى البابا كليستين ذكر هذا الأمر، وكذلك أيضاً فى خطاب رهبان القسطنطينية إلى الإمبراطور الذى ذكروا فيه شكواهم من سوء معاملة نسطور لهم، واحتوى أيضاً على رغبة ملحة فى طلب هذا العلاج الكنسى. ([2]) وصل الإمبراطور ثيئودوسيوس الثانى إلى القسطنطينية يوم 19 نوفمبر عام 430م، قبل بضعة أيام من حرومات كيرلس، وأصدر منشوراً عليه اسم زميله الغربى أيضاً أى فالنتينيان الثالث، وموجه لجميع المطارنة فيه يدعوهم لاجتماع مسكونى فى أفسس فى عيد الخمسين من السنة التالية ([3]) وأضاف بأن على كل منهم أن يحضر معه من ولايته بعض الأساقفة المساعدين، وأن كل من يصل متأخراً سيكون مسئولاً مسئولية جسيمة أمام الله والإمبراطور... ([4])
كيرلس (†) من جانبه وجد أنه من الضرورى أن يسأل البابا كليستين عما إذا كان ينبغى أن يُسمح لنسطور بالحضور إلى المجمع المقترح كعضو، أم أن الحكم الذى صدر ضده بالعزل، بعد انقضاء الفترة الزمنية المسموح بها للتخلى علناً عن معتقده، مازال تأثيره قائماً. هذا الخطاب مفقود حالياً، ولكن لدينا رد البابا بتاريخ 7 مايو عام 431م، الذى يعطى برهاناً جميلاً على ميوله لمحبة السلام، وفيه يقول بأن الله لا يشاء موت الخاطئ ولكن رجوعه، وبأن كيرلس ينبغى أن يعمل كل ما فى وسعه لإعادة سلام الكنيسة وكسب نسطور للحقيقة. وإذا كان نسطور قد عقد العزم ضد ذلك، عليه أن يحصد ما قد زرعه بمساعدة إبليس.([5]) وفى خطاب ثان موجه إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس فى 15 مايو عام 431م، يقول البابا أنه لن يتمكن من حضور المجمع شخصياً ولكن سيحضره بواسطة مندوبيه. ولا ينبغى أن يسمح الإمبراطور بأى إبتداعات أو تعكير لسلام الكنيسة، وبأنه ينبغى أن ينظر إلى مصالح الإيمان أكثر من مصالح الدولة، وإلى سلام الكنيسة كأهم من سلام الأمم (الدول). ([6]) وفيما يختص بمندوبيه فى المجمع، فقد عيّن البابا أسقفين هما أركاديوس وبروجيكتوس ومعهما القس فيليبس وأعطاهم تفويضاً أن يأخذوا جانب كيرلس بالكامل... بعد انتهاء المجمع ينبغى عمل تقييم، إذا انتصر الإيمان القديم، وذهب كيرلس للإمبراطور فى القسطنطينية، ينبغى أن يذهبوا هم أيضاً إلى هناك ويسلّموا للأمير الموجزات البابوية. ولكن إذا لم يتم التوصل إلى قرار سِلمى، كان لزاماً عليهم أن يقرروا مع كيرلس ما ينبغى عمله. ([7]) هذا الخطاب البابوى الذى كان عليهم عرضه أمام المجمع بتاريخ 8 مايو عام 431م، يشرح أولاً ببلاغة مهمة الأساقفة فى أن يصونوا الإيمان الصحيح، ثم فى الختام يكمل قائلا: "على المندوبين أن يحضروا فى جلسات المجمع ويطبقوا ما قرره البابا منذ مدة طويلة فيما يختص بنسطور، لأنه لا يشك بأن الأساقفة المجتمعين سيوافقون على ذلك". ([8])
كما لم يستطع البابا، هكذا لم يستطع أى من الأباطرة الحضور شخصياً إلى أفسس، لذلك عيّن ثيئودوسيوس الثانى، باسمه الخاص وباسم زميله فالنتينيان الثالث، الكونت كانديدان قائد الحرس الشخصى للبلاط كحامى protectorللمجمع. وفى المرسوم الذى وجهه إلى المجمع عن هذا الموضوع، يقول أن كانديدان لن يشارك بطريقة مباشرة فى المناقشات على النقاط المتصارع عليها فى الإيمان؛ فليس من اللائق أن شخصاً لا ينتمى إلى عداد الأساقفة أن يورط نفسه فى فحص وتقرير خلافات لاهوتية. على العكس من ذلك، كان على كانديديان أن ينقل من المدينة الرهبان والعلمانيين الذين أتوا إلى أفسس أو ينبغى أن يأتوا فيما بعد من قبل حب الاستطلاع، حتى لا تعم الفوضى والبلبلة بسبب هؤلاء الذين لم تكن هناك حاجة إليهم فى فحص العقائد المقدسة. وكان عليه أيضاً أن يراقب حتى لا تؤدى المناقشات بين أعضاء المجمع إلى منازعات عنيفة تعوق الفحص الصحيح للحقيقة؛ وعلى النقيض أيضاً كان عليه أن يرى أن كل بيان ينبغى أن يُسمع بعناية، وأن كل واحد يقدم رأيه أو اعتراضاته بدون أى معوقات، حتى يمكن الوصول فى النهاية إلى قرار يتخذ بالإجماع بسلام بواسطة المجمع المقدس. وفوق كل هذا، كان على كانديديان أن ينتبه بألا يحاول أحد أعضاء المجمع الرجوع إلى بلده أو إلى المحكمة أو إلى أى مكان آخر قبل ختام محضر الجلسة. بالإضافة إلى ذلك كان عليه ألا يسمح بعرض أى خلاف آخر أمام المجمع للحكم فيه قبل تسوية النقطة الأساسية للعقيدة. علاوة على ذلك فقد أعطى الإمبراطور تعليمات بألا يُسمح بتوجيه أى اتهامات مدنية ضد أى عضو فى المجمع، سواء أمام المجمع نفسه أو أمام محكمة العدل فى أفسس؛ ولكن أثناء هذا الوقت فقط تكون المحكمة العليا فى القسطنطينية هى المحكمة المسئولة عن مثل هذه الحالات. وأخيراً فإن كونتاً إمبراطورياً آخر هو إرينيئوس سوف يأتى إلى أفسس ولكن فقط لمرافقة صديقه ومحبوب الله الأسقف نسطور، ولذلك لا ينبغى له أن يشارك فى جلسات المجمع ولا فى مهمة كانديديان. ([9])
وطبقاً للأوامر الإمبراطورية، كان يجب أن يبدأ المجمع فى عيد الخمسين الموافق 7 يونيو من عام 431م ([10]) وكان نسطور مع أساقفته الستة عشر بين الأوائل الذين وصلوا أفسس. وكما لو كان ذاهباً إلى معركة، كان يرافقه عدداً كبيراً من الرجال المسلحين. ([11]) بعد ذلك بوقت قصير، أربعة أو خمسة أيام قبل عيد الخمسين، وصل كيرلس ومعه خمسون أسقفاً، ونصفهم تقريباً لهم حق التصويت؛ لايزال هناك خطابين قصيرين كتبهم إلى كنيسته، واحد منهم كتبه فى الرحلة إلى رودس، والآخر كتبه بعد وصوله أفسس مباشرة. ([12]) يقول فى الخطاب الأخير بالتحديد أنه ينتظر الافتتاح الفعلى للمجمع بلهفة. وبعد عيد الخمسين ببضعة أيام، وصل جوفينال أسقف أورشليم وفلافيان أسقف تسالونيكى مع أساقفتهم؛ ورئيس الأساقفة ممنون أسقف أفسس، هو أيضاً قد جمع حوله أربعون ([13]) أسقف مساعد وإثنى عشر أسقفاً من بامفيليا. وبينما كانوا فى انتظار وصول الآخرين، دارت مناقشة أولية مستفيضة عن نقطة النقاش، وقد حاول كيرلس بصفة خاصة أن يحاصر نسطور بواسطة أدلة قاطعة وأن يكسب أصدقاء للعقيدة السليمة. وحدث فى ذلك الوقت أن سمح نسطور لنفسه أن يصرخ بتعجب قائلاً: "لن أدعو أبداً طفلاً عمره شهرين أو ثلاثة الله، ([14]) ولن تكون لى صلة بكم مرة أخرى". وفى نفس الوقت أظهر بوضوح طبيعة هرطقته، المعروفة إلى يومنا هذا، وقد حاول بطرق شتى أن يخفيها، وأيضاً أظهر عناده الذى لم يترك أى أمل فى إذعانه لقرار المجمع.
[1] Hefele, C.J., quoting Evagrius, Hist. Eccl, i.7
[2] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p.1102, Hardouin, t. i. p. 1335. German in Fuchs, Bibl. Der Kirchenvers Bd iii. S. 592.
[3] 7th of June 431 A.D.
[4] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv. p. 1111; Hardouin, t.i.p.1343. German in Fuchs, l.c. Bd. ii . S.603.
† سوف نلاحظ أن المؤرخ هيفيلى لا يعطى لقب بابا إلا إلى بابا روما فقط وكان المفروض أن يضعه أيضاً للقديس كيرلس الكبير عمود الدين حامى الإيمان لكن كأسقف كاثوليكى يهمه تعظيم بابا روما فوق كل اعتبار.
[5] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv, p.1292; Hardouin, t.i. p. 1474.
[2] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. p.1102, Hardouin, t. i. p. 1335. German in Fuchs, Bibl. Der Kirchenvers Bd iii. S. 592.
[3] 7th of June 431 A.D.
[4] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv. p. 1111; Hardouin, t.i.p.1343. German in Fuchs, l.c. Bd. ii . S.603.
† سوف نلاحظ أن المؤرخ هيفيلى لا يعطى لقب بابا إلا إلى بابا روما فقط وكان المفروض أن يضعه أيضاً للقديس كيرلس الكبير عمود الدين حامى الإيمان لكن كأسقف كاثوليكى يهمه تعظيم بابا روما فوق كل اعتبار.
[5] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv, p.1292; Hardouin, t.i. p. 1474.
[6] Hefele, C.J., quoting Mansi, t. iv. P. 1291; Hardouin, t.i. p.1473.
[7] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t.i. p.1347; Mansi, t.iv. p.556.
[8] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t.i. p.1467; Mansi, t.iv. p. 1283 sqq.
[9] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t.i. p. 1346; Mansi, t.iv. p. 1l18. German in Fuchs, l.c. S. 605.
[10] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t.i. p. 1435; Mansi t.iv. p. 1230.
[11] Hefele, C.J., quoting Socrates, vii. 34.
[12] Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv. p. 1115 sqq.
[13] Hefele, C.J., quoting Hardouin, t. i. p. 1541; Mansi t. iv. p. 1381.
[14] Hefele, C.J., quoting Socrates, l.c; Schrockh in his Kirchengesh (Bd. 18, S. 235).
تعليقات
إرسال تعليق