فى نهاية القرن الثالث الميلادى شهد ميثوديوس(260-312) أسقف صورلتقليد الكنيسة الرسولى وقال صراحة "إن الروح القدسo`moou,sion pneu/ma (of one and the same essence with him) مساوى للآب فى الجوهر (هومو أوسيون ابنفما) ".[1]
وقد سبق ذلك القديس اغناطيوس الأنطاكى ( الثيئوفورس) وهو أول بطريرك لأنطاكية بعد عصر الرسل، وعلى اسمه يسمى كل بطاركة الكرسى الأنطاكى (مار اغناطيوس يعقوب الثالث– مار اغناطيوس زكا الأول..). كتب عن الروح القدس فى رسائله باختصار لكن فى وعى أصيل بخصوص دوره فى الكنيسة. وتكلم عن الثالوث معاً فى فقرتين، فى إحداهما يجعل الترتيب هو: الابن والآب والروح القدس[2]. أى أنه يعتبر الروح القدس ضمن الثالوث وواحد فى الجوهر لكن متمايز من حيث الأقنوم.
كان القديس اغناطيوس يعرف أن الروح القدس أقنوم يقول "أفرزوا لى برنابا وشاول.." أى أنه يتكلم، ويقود، ويعلم، ويرشد. من الصعب أن تُفهم فكرة أن الروح القدس له شخصية. فالآب معروف والابن جاء كشخص وعاش وسط الناس ونظروه، ولا ينكر أحد أن الابن شخص. أما الروح القدس فقد يظنه البعض طاقة أو قدرة، هنا تبرز أهمية إعلان القديس اغناطيوس عن الإيمان المسلَّم عن حقيقة الروح القدس بهذه الصورة، وقد كان هذا نتيجة لقربه من العصر الرسولى.
أما الشهيد ثيئوفيلوس الأنطاكى فقد طبّق تعبير الثالوث Trinity على اللاهوت فى كتاباته موضحاً أنه الله وكلمته وحكمته،[3] ويبدو أنه كان يقصد روح الحكمة فى إشارته إلى الروح القدس عندما أطلق عليه لقب الحكمة. ولكن نظراً لأن هذه الأمور كانت فى فجر المسيحية (فى القرن الثانى الميلادى) فلم يكن لقب روح الحكمة قد استقر بعد فى تسمية الروح القدس. فيقول الشهيد ثيئوفيلوس العبارة التالية:
tou qeou kai tou logou autou kai thj sofiaj autou triadoV (تريادوس تو ثيئوكى تو لوغو آفتوكى تيس صوفياس آفتو) The Trinity of God and His Word and His Wisdom وتعنى "ثالوث الله وكلمته وحكمته". [4]
وأهمية قول ثيئوفيلوس الأنطاكى هذا هو أنه تكلم عن لقب "الثالوث" لأول مرة بالنسبة للأقانيم الثلاثة. ففى الأناجيل يُذكر أن الآباء الرسل كانوا يعمدون باسم الآب والابن والروح القدس، وتكلموا عن الروح القدس والابن والآب. لكن أول من جمع الثلاثة فى تعبير واحد سمى الثالوث triadoV كان فى كتابات ثيئوفيلوس الأنطاكى. وإن كان ثيئوفيلوس الأنطاكى قد سمى الروح القدس "الحكمة" لكن لأنه قال "الله والكلمة والحكمة" فمفهوم أن المقصود باللقب الثالث هو أقنوم الروح القدس. ونحن لا ننفى أن الروح القدس هو روح الحكمة. ففى ذلك الزمان، كما أشرنا سالفاً، لم تكن الألفاظ اللاهوتية قد استقرت بعد فكان كل واحد يعبِّر عن الإيمان الذى يعيش فى ضميره بتعبيرات معينة. لكننا نعترف بفضل القديس ثيئوفيلوس الأنطاكى أنه قدّم تعبير "الثالوث" إلى التعبيرات اللاهوتية فى الكنيسة.[5]
أما القديس أثناسيوس فقد قاوم فى رسالته الثالثة ضد الأريوسيين فكرة أن الروح القدس هو الذى يوحّد الآب بالابن، أو يمثل الرباط بين الآب والابن، لأن الروح القدس لو كان هو مجرد رباط الوحدة بين الآب والابن، فهو إذن ليس أقنوم. وهذا هو الخطأ الذى يقع فيه الكاثوليك حتى يومنا هذا. فيقول الكاثوليك أن الآب هو المحب والابن هو المحبوب والروح القدس هو الحب الذى يجمعهما.
لقد قاوم القديس أثناسيوس هذا الفكر فقال: "لأن الابن لا يأخذ الروح القدس لكى يصير هو أيضاً فى الآب، ولا الابن يتقَّبل الروح القدس بل بالحرى هو بنفسه يمّد به الجميع، والروح القدس لا يوحَّد الكلمة بالآب The Spirit does not unite the Word to the Father.. فالابن هو فى الآب لأنه كلمته وشعاعه."[6]
إذا جعلنا الآب هو المحب والابن هو المحبوب هذا يعنى أن لهما وحدهما ديناميكية الفعل، وبهذا يتحول الروح القدس إلى مجرد طاقة بينهما يتبادلها الآب والابن، فتلغى بذلك أقنومية الروح القدس.
فى مفهومنا الثالوثى الثلاثة أقانيم يتبادلون الحب مع بعضهم البعض. فالحب هو صفة للجوهر وليس هو الخاصية الأقنومية للروح القدس. الحب هو صفة الجوهر فهو فى الآب والابن والروح القدس بنفس القوة وبنفس التأثير. فكل أقنوم يحب الآخر ويبادله الحب، ولا نستثنى الروح القدس من هذه القاعدة.
[1] The Ante Nicene Fathers, Vol. 6 Methodius, Eerdmans Pub. Com., Grand Rapids, Michigan, reprinted 1978, Oration Concerning Simon and Anna, par. 2. p. 384.
[2] The Ante Nicene Fathers, Vol 1, Ignatius, Eerdmans Pub. Com., Grand Rapids, Michigan, reprinted 1978, Epistle of Ignatius to the Magnesians, chapter 13 p. 64; quoted by Stanley M. Burgess, The Spirit and the Antiquity of the Church, Hendrickson Pub. USA, 1984.
[3] Stanley M. Burgess, The Spirit and the Antiquity of the Church, Hendrickson Pub. USA, 1984, p. 32
[4]The Ante Nicene Fathers Vol, 2 Theophilus, Eerdmans Pub. Com., Grand Rapids, Michigan, reprinted 1978, Theophilus to Autolycus, Book 2, Chapter 15 p. 101.
5 وهكذا ذكر فى الكتاب المقدس أن التلاميذ دعوا مسيحيين أولاً فى أنطاكية (انظر أع 11: 26). أى أن هذا لم يكن لقبهم من البداية. هكذا كان الإيمان بالثالوث يعيش فى الكنيسة منذ اللحظة الأولى لكن لقب "ثالوث" جاء لاحقاً.
[6] N & P. N. Fathers, series 2, Vol. IV, St Athanasius, Eerdmans Pub. Com., Grand Rapids, Michigan, reprinted 1978, Four Discourses against Arians, discourse III, chapter 25, par 24, p. 407.
تعليقات
إرسال تعليق