أول مرة ورد فيها اسم ملكي
صادق، كانت في استقباله لأبينا إبراهيم عند رجوعه من كسرة كدر لعومر والملوك الذين
معه (تك 18:14-20). وفي هذه المقابلة قيل عن ملكي صادق ما يأتي: 1- إنه ملك شاليم (ولعلها
أورشليم). 2-
إنه كاهن
الله العلي. وقد قدم خبزاً وخمراً. 3- إنه بارك أبانا إبراهيم. وأبونا إبراهيم قدم له العشور. ويقرر معلمنا بولس
الرسول أن ملكي صادق أعظم من إبراهيم. علي اعتبار أن الصغير يبارك من الكبير (عب
7:7). وعلي اعتبار أنه دفع له العشور. وبالتالي يكون كهنوت ملكي صادق أعظم من
إبراهيم لما باركه ملكي صادق. وكهنوت المسيح، والكهنوت المسيحي، علي طقس ملكي
صادق. وذلك من حيث النقط الآتية: 1- إنه كهنوت يقدم خبزا وخمراً، وليس ذبائح حيوانية. فالذبائح الحيوانية أو
الدموية، كانت طقس الكهنوت الهاروني، وكانت ترمز إلي ذبيحة المسيح، وقد أبطلها
المسيح بذبيحته. وأعطانا الرب إصعاد جسده ودمه من خبز وخمر، حسب تقدمة ملكي صادق.
2-
إنه كهنوت
ليس عن طريق الوراثة. فقد كان المسيح من سبط يهوذا، وليس من سبط لاوى الذي منه
الكهنوت. فلم يأخذ الكهنوت بالوراثة. وكذلك كل رسل المسيح، وكل كهنة العهد الجديد،
لا يأخذون الكهنوت بالوراثة. 3- كهنوت ملكي صادق، أعلي في الدرجة من الكهنوت الهارونى، وقد شرح معلمنا بولس
الرسول هذا الأمر في (عب7). وقد قيل عن ملكي صادق إنه مشبه بابن الله. من جهة هذه
الأمور التي ذكرناها. وأيضاً يقول عنه الرسول "بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا
بداءة أيام له ولا نهاية، بل هو مشبه بابن الله" (عب 3:7). ولا نأخذ هذه
الكلمات بحرفيتها، وإلا كان ملكي صادق هو الله. بل حتى من جهة الحرف، لا نستطيع أن
نقول إنه مشبه بابن الله في أنه بلا أم، لأن المسيح كانت له أم هي العذراء، ولا
نستطيع أن نقول أنه بلا أب، فالمسيح له أب هو الأب السماوي. إنما كان بلا أب، بلا
أم، بلا نسب في الكهنوت. أي لم يأخذه عن طريق الوراثة عن أب أو أم أو نسب. وهكذا
كان المسيح. ولعل هذا يوافق ما قاله بولس الرسول "وأما الذين هم من بني لاوى
الذين يأخذون الكهنوت، فلهم وصية أن يعشروا الشعب بمقتضى الناموس.. ولكن الذي ليس
له نسب منهم (أي ملكي صادق) قد عشر إبراهيم" (عب6,5:7 ). أي (بلا نسب) هنا
معناها بلا نسب من هارون، من سبط الكهنوت.. وتكون عبارة بلا أب بلا أم علي نفس
القياس. وقد وضح عبارة (بلا نسب في الكهنوت) علي المسيح بقوله "في سبط آخر لم
يلازم أحد منه المذبح" (عب 13:7). بالإضافة إلي هذا، فإن الكتاب لم يذكر لنا
شيئاً عن نسب ملكي صادق، ولا من هو أبوه ولا أمه. فكأنه يقول عنه: بلا أب نعرفه،
وبلا أم نعرفها. وماذا أيضاً؟ لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة… أي أنه دخل
التاريخ فجأة، وخرج منه فجأة، دون أن نعرف له بداءة أيام، ولا نهاية حياة. إنما
ظهر في وقت ليؤدي رسالة ما، وليكون رمزاً، دون أن نعرف له تاريخاً ولا نسباً. أما
المسيح، فمن الناحية الجسدية، معروفة أيامه. معروف يوم ميلاده، ويوم موته علي
الصليب، ويوم صعوده إلي السماء. أما من الناحية اللاهوتية، فلا بداءة ولا نهاية.
ولكن ملكي صادق لم يكن يرمز إلي المسيح من الناحية اللاهوتية… إنما كل الذي ذكر
الكتاب سواء في (تك 14) أو في (مز 110) أو في (عب7) كان بخصوص عمله الكهنوتي. أما
الرأي القائل بأن ملكي صادق هو المسيح نفسه، فعليه اعتراضات.. منها قول الرسول
"مشبه بابن الله" علي شبه ملكي صادق" "علي طقس ملكي
صادق" (عب17,15,3:7). بينما لو كان هو نفس الشخص، ما كان يقول علي شبهه، علي
طقسه، أو علي رتبته. أما ترجمة الأسماء فلا تدل علي أنه نفس الشخص… ترجمة اسمه
بأنه ملك البر، أو وظيفته بأنه ملك السلام، لا يعني أنه المسيح، ربما مجرد رمز..
وترجمة الأسماء من حيث صلتها باسم الله تحوي عجباً. فإيليا النبي ترجمة اسمه (إلهي
يهوه)، واليشع (الله خلاص)، وأشعياء (الله يخلص)، واليهو (أي 32) معناه (هو الله)،
وصموئيل (إسم الله أو سمع الله). ومن الاسماء الاخري في الكتاب اليآب (عد 9:1)
معناها الله أب، واليصور (عد 5:1) معناها الله صخرة، واليمالك (را 2:1) معناها
الله ملك، وأليشوع (2صم 15:5) معناها الله خلاص. دون أن يدعى أحد من هؤلاء – من
واقع إسمه – إنه أحد الظهورات لله في العهد القديم. وشخصية ملكي صادق من الشخصيات
التي حيرت علماء الكتاب... وقيلت فيها آراء متعددة، وآراء متناقضة. يكفينا من
جهتها رمزها إلي كهنوت المسيح، دون أن ندخل في تفاصيل، يقودنا فيها فهمنا الخاص،
بينما لا يؤكدها الكتاب أو يحددها...
تعليقات
إرسال تعليق