ينبغى أن نفرق بين الحكم على الخطايا الشخصية، والحكم على الأخطاء العقيدية أو الإيمانية. وليس من حقنا أن نخوض فى حياة الإنسان الشخصية، ونلوك سيرته بأفواهنا. مثل إدانة الفريسى للمرأة الخاطئة التى بللت قدمى المسيح بدموعها (يو7 : 39)، أو طلب رجم المرأة المضبوطة فى ذات الفعل (يو8 : 4)، أو انتقاد الفريسيين لتلاميذ المسيح، لتناولهم الطعام بأيد غير مغسولة (مت15 :2). خطية الإدانة تتناول التصرفات الشخصية والحياة الأدبية.. وهى التى تتعلق بها وصية الرب "لا تدينوا لكى لا تدانوا.. لأنه بالكيل الذى به تكيلون، يُكال لكم" (مت7 : 2).. لأن كل إنسان له خطاياه الشخصية. وعن هذه الخطايا، قال السيد المسيح فى قصة المرأة المضبوطة فى ذات الفعل "من كان منكم بلا خطية، فليرجمها بأول حجر" (يو8 :7). وعن التصرفات الشخصية، قال القديس بولس الرسول "من أنت الذى تدين عبد غيرك ؟ هو لمولاه، يثبت أو يسقط. ولكنه سيثبت، لأن الله قادر أن يثبته" (رو 14 :4). أما أمور. الإيمان، فلا تدخل فى خطية الإدانة. بل على العكس الدفاع عن الإيمان واجب مقدس. هوذا القديس يوحنا الحبيب، الذى هو من أكثر الناس حديثاً عن المحبة، يقول من جهة الأمور الإيمانية "إن كان أحد يأتيكم ولا يجىء بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلّم عليه، يشترك فى أعماله الشريرة" (2يو10).. هل يقع من يرفض السلام على مثال هذا الإنسان فى خطية الإدانة ؟! حاشا. بل لو أنه قبل هذا المنحرف، يقع فى خطية.. وهكذا يقول القديس بولس الرسول: الرجل المبتدع – بعد الإنذار مرة ومرتين – أعرض عنه. عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطىء، محكوماً عليه من نفسه (تى3 : 10 ،11). ويقول أيضاً "أنذروا الذين بلا ترتيب" (1تس5 :4). وأيضاً: "نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح: أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذى أخذه منا" (2تس 3: 6). هنا تعليم الرسل لا يكتفى بمجرد الإدانة، بل يتطور أكثر إلى إنذار الشخص المنحرف، والإعراض عنه، وتجنبه، وعدم قبوله فى البيت وعدم السلام عليه.. المبتدع والمنحرف إيمانياً وعقيدياً، يجب إدانته. وعدم إدانته خطية. لأن عدم إدانة المنحرف، تجعل تعليمه المنحرف ينتشر، ويأخذ دائرة أوسع. ويؤثر على مجموعة أكبر من الناس. ونكون نحن مقصرين من جهة الإيمان الذى قال عنه الرسول "اكتب إليكم واعظاً أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسلّم مرة للقديسين" (يه3). وهنا يبدو فرق جوهرى بين الخطايا الشخصية والانحرافات العقيدية. الخطايا الشخصية تنحصر كل منها فى شخص معين بالذات، وخطرها واقع عليه، وربما يمتد إلى دائرة ضيقة جداً. أما خطايا الفكر والعقيدة فإنها تنتشر بسرعة وسط مجموعات كثيرة، وربما تؤثر على الكنيسة كلها، إلى جوار أنها تمس الإيمان. فيجب مقاومتها ومحاربتها. كل الكنيسة إكليروساً وشعباً أدانت أريوس ونسطور وأوطاخى، وأمثالهم. ولم تكن خطية إدانة. إنما هى إدانة شرعية واجبة. هى أولاً وقبل كل شىء إدانة للفكر، وللعقيدة الخاطئة.. إدانة لكل تفسير منحرف لآيات الكتاب المقدس. والذين تزعموا إدانة المنحرفين فى العقيدة، اعتبرتهم الكنيسة من أبطال الإيمان، أمثال القديس أثناسيوس، والقديس كيرلس الكبير، والقديس باسيليوس، والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات.. وكذلك الشعب الصامد المتمسك بإيمانه، الذى رفض تلك البدع. هل نقصر إذن فى الدفاع عن الإيمان بحجة الإدانة ؟! حاشا. هناك فرق بين الإدانة الواجبة، وخطية الإدانة. أترانا لا ندافع عن الإيمان ضد بدع شهود يهوه والسبتيين وأمثالهم، خوفاً من خطية الإدانة ؟! وإذا وقع أحد داخل الكنيسة فى خطأ إيمانى أو عقيدى، هل نجامله على حساب الإيمان ؟! وهل نتخوف من الوقوع فى الإدانة ؟ كلا، فإدانته فضيلة. وعدم إدانته تقصير فى حق الإيمان. إن الحديث عن الإدانة هنا، حديث عن أمر فى عكس موضعه
تعليقات
إرسال تعليق