لقد أراد أن يبطل تشامخ اليهود الذين يفتخرون بأجدادهم. فأظهر لهم كيف أن أجدادهم قد أخطأوا. فيهوذا زنى مع ثامار أرملة ابنه وانجب منها فارص وزارح. وداود سقط في الزنى مع إمرأة أوريا الحثى. وبوعز الجد الكبير لداود أنجبة سلمون من راحاب الزانية.. فلا داعى إذن للإفتخار. وحتى لو كان أجدادهم فاضلين، فلن تنفعهم فضيلة أجدادهم. لأن أعمال الإنسان – لا أعمال آبائه – هي التى تقرر مصيره في اليوم الأخير. ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم في ذلك: إن السيد المسيح لم يات ليهرب من تعييراتنا، بل ليزيلها. إنه لا يخجل من أى نوع من نقائصنا. وكما أن أولئك الأجداد أخذوا نسوة زانيات، فكذلك ربنا وإلهنا خطب لذاته طبيعتنا التى زنت. الكنيسة كثامار: تخلصت دفعة واحدة من أعمالها الشريرة ثم تبعته. وراعوث يشبهه حالها أحوالنا: كانت قبيلتها غريبة عن إسرائيل، وقد هبطت إلي غاية الفقر. ومع ذلك لما أبصرها بوعز، لم يزدر بفقرها، ولا رفض دناءة جنسها. كذلك السيد المسيح لم يرفض كنيسته وقد كانت غريبة وفي فقر من الأعمال الصالحة.. وكما أن راعوث لو لم تترك شعبها وبيتها لما ذاقت ذلك المجد، فكذلك الكنيسة التى قال لها النبى " أنسى شعبك وبيت أبيك، فيشتهى الملك حسنك "... بهذه الأمور أخجلهم ربنا، وحقق عندهم ألا يتعظموا. وعندما سجل البشير أنساب المسيح أورد فيها أولئك النسوة الزانيات. لأنه لا يمكن لأحدنا أن يكون فاضلاً بفضيلة أجداده، أو شريراً برذيلة أجداده. بل أقول إن الشخص الذى لم يكن من أجداد فاضلين وصار صالحاً، فذلك شرف فضله عظيم. فلا يفتخر ولا ينتفح أحد بأجداده، إذا تفطن في أجداد سيدنا، ولينظر إلي أعماله الخاصة. وحتى فضائله لا يفتخر بها. لأنه بأمثال هذه المفاخر صار الفريسى دون العشار. فلا تفسدن أتعابك وتحاضر باطلاً. لا تضيع تعبك كله بعد سعيك فيه فراسخ كثيرة. لأن سيدك يعرف الفضائل التى أحكمتها أكثر منك. لأنك إن ناولت ظمآن قدح ماء بارد، فلن يغفل الله عن هذا ولا ينساه. إنك إن مدحت ذاتك، فلن يمدحك الله أيضاً. أما إن نسبت الويل لها ولمتها، فلا يكف هو عن إذاعة فضلك.. وهو يسعى بكل وسيلة لكى يكللك عن طريق أتعاب كثيرة. ويجول طالباً حججاً يستطيع أن يخلصك بها من جهنم. حتى إن عملت في الساعة الحادية عشرة يعطيك أجرة عمل النهار كله.. وإن ذرفت ولو دمعة واحدة، لخطفها بإسراع وجعلها حجة لخلاصك. فلا نترفعن إذن، لكن ينبغى أن ندعو ذواتنا مرفوضين. وننسى كل ما قد عملناه من صلاح، ونتذكر خطايانا. إن محامدك التى يجب ألا يعرفها إلا الله وحده، هي عنده في صيانة تحوطها، فلا تكرر ذكرها لئلا يسلبها منك سالب، ويصيبك ما أصاب الفريسى إذ أورد ذكر محامده، فاختلسها ابليس المحتال.
تعليقات
إرسال تعليق