Genitos genhtoV- Agenitos agenhtoV
يقول الأريوسيون أن الآب متفوق على الابن
(وأيضاً على الروح القدس لأن
الروح القدس منبثق، أما الآب فغير منبثق. فما يقولونه عن الولادة فيما يخص الابن
يقولونه عن الانبثاق فيما يخص الروح القدس) لكن التركيز كان على الابن عند أريوس.
فيقول أريوس أن الابن لا يمكن أن يكون مساوى للآب فى الجوهر لأن الآب جوهره غير
مولود والابن جوهره مولود.
وهنا نجد خدعة مستترة وهى أن الولادة وعدم
الولادة ليست صفة من صفات الجوهر، لكنها صفة أقنومية. فخلط أريوس ما بين الخاصية
الأقنومية وبين صفات الجوهر، وحوّل الصفة الأقنومية إلى صفة من صفات الجوهر الإلهى
وبذلك فصل جوهر الابن عن جوهر الآب، واعتبر أن الآب كائن كينونة لا تعتمد على آخرIndependent existence بينما
الابن كينونته متوقفة على الآب. أى أنه اعتبر أن كينونة الابن كينونة من نوع آخر. أما كينونة الآب
فنابعة منه وهو يملكها، وكما يقول علماء اللاهوت أنه يملك فى ذاته علة وجوده. أما
بحسب رأى أريوس فإن الابن لا يملك فى ذاته علة وجوده، لأن وجوده نابع من الآب
ومعتمد على الآب. وبذلك وضع أريوس جوهرين:
1- جوهر يملك فى ذاته علة وجوده.
2- جوهر لا يملك فى ذاته علة وجوده وهو حادث
أو مخلوق أو له سبب ويعتبر نتيجة وبذلك لا يمكن أن يكون هذان الجوهران متساويين.
وللرد
على ذلك نقول إن الولادة وعدم الولادة ليست صفة جوهرية، إنما هى صفة أقنومية.
الأبوة: خاصية أقنومية ينفرد بها الآب فى
الثالوث.
البنوة (بمعنى أنه
مولود أى المولودية): خاصية أقنومية ينفرد بها الابن فى الثالوث.
الانبثاق
من الآب: خاصية أقنومية ينفرد بها الروح القدس فى الثالوث.
المشكلة التى يثيرها
الأريوسيون هى أن الابن يستمد كينونته من الآب بالولادة الأزلية قبل كل الدهور.
ويقول الأريوسيون إن
مجرد الولادة فى حد ذاتها تعنى تفوق الآب على الابن، لأن الابن يستمد جوهره ووجوده
من الآب. إذن الآب هنا متفوق باعتباره الأصل.
وللرد على ذلك نقول:
هل كون الآب هو وحده الذى لا يستمد وجوده من أقنوم آخر يعنى إنه يتفوق فى الجوهر
على الابن وأيضاً على الروح القدس؟ ببساطة شديدة إذا كان الابن يستمد كينونته
وجوهره بالولادة من الآب قبل كل الدهور، فإن الآب لا يمكن أن يكون هو الإله
الحقيقى بدون الابن وبدون الروح القدس.
مثال لذلك نقول: هل
يجوز أن يسأل أحد إن كان الحكيم أعظم من الحكمة أم لا؟ فالسؤال فى حد ذاته هو سؤال
خطأ، لأن الحكيم لا يحسب حكيماً بدون الحكمة النابعة منه. ومع إنه هو أصل الحكمة
أو هو ينبوع الحكمة، إلا أن الحكمة هى من صميم طبيعته وجوهره. فالفرق بين الحكمة
والحكيم ليس فى جوهر الحكمة، ولكن الفرق هو فى؛ من هو الينبوع؟ ومن هو التيار؟
هكذا تتمايز الأقانيم الثلاثة فيما بينها فى
الخواص الأقنومية :
فالآب
: هو الأصل والينبوع.
والابن :
هو المولود من الآب.
والروح
القدس : هو المنبثق من الآب.
وقد استخدم القديس أثناسيوس تشبيه الينبوع
والتيار فى وصف العلاقة بين الآب والابن. فقال الينبوع والتيار هما نفس الماء
الواحد (مياه واحدة). الينبوع هو والد والتيار هو مولود. ولكن ينبوع الماء لا يلد
تياراً من الزيت أو الزئبق أو أى سائل آخر. وبهذا لا نرى اختلافاً فى الجوهر بين
الينبوع والتيار. فلا يمكن لينبوع ماء حلو أن ينتج تياراً من ماء مر أو ماء مالح.
وقد تكلم القديس يعقوب الرسول عن هذه النقطة فقال: "ألعل
ينبوعاً ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر. هل تقدر يا إخوتى تينة أن تصنع زيتوناً أو
كرمة تيناً ولا كذلك ينبوع يصنع ماء مالحاً وعذباً" (يع3: 11-12).
قال القديس أثناسيوس: [ولكن كما أن
النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين
مرئيين واسمين. لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب، فالآب هو أب
الابن، والابن هو ابن الآب. وكما أن الينبوع ليس هو النهر، والنهر ليس هو الينبوع،
ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذى يسرى فى مجرى من الينبوع إلى النهر، وهكذا فإن
لاهوت الآب ينتقل فى الابن بلا تدفق أو انقسام. لأن السيد المسيح يقول "خرجت
من الآب" وأتيتُ من عند الآب. ولكنه دائماً أبداً مع الآب، وهو فى حضن الآب.
وحضن الآب لا يَخْلُ أبداً من الإبن بحسب ألوهيته.][1].
لأن القديس يوحنا الإنجيلى يقول "الله لم يره أحد قط، وحيد الجنس الإله الذى
هو فى حضن الآب، هو خبّر" (يو1: 18). فحضن الآب لا يخلو أبداً من الابن حتى
حينما تجسد عندما أرسله الآب إلى العالم وقال "خرجت من عند الآب" (يو16:
28).
والقديس أثناسيوس
الرسولى يشير إلى أن الآب هو ينبوع الحكمة وينبوع الحياة. وأن الابن هو الحكمة وهو
الحياة. وإليك نص ما قاله فى ذلك: [ إن كان يقال عن الله أنه ينبوع حكمة
وحياة كما جاء فى سفر أرمياء "تركونى أنا ينبوع المياه الحية" (أر2: 13)
وأيضاً "كرسى مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا. أيها الرب رجاء إسرائيل
كل الذين يتركونك يخزون. والحائدون عنى فى التراب يُكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع
المياه الحية" (أر17: 12، 13). وقد كتب فى باروخ "إنك قد هجرت ينبوع
الحكمة" (باروخ3: 12) وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبين عن جوهر
الينبوع بل هما خاصة له (خواص له)، ولم يكونا أبداً غير موجودين، بل كانا دائماً
موجودين. والآن فإن الابن هو كل هذه الأشياء وهو الذى يقول "أنا هو..
الحياة" (يو14: 6)..[2] كيف
إذاً لا يكون كافراً من يقول "كان وقت ما عندما لم يكن الابن فيه موجوداً لأن
هذا مثل الذى يقول تماماً كان هناك وقت كان فيه الينبوع جافاً خالياً من الحياة
والحكمة. ولكن مثل هذا الينبوع لا يكون ينبوعاً، لأن الذى لا يلد من ذاته (أى من
نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً.] (المقالة الأولى ضد الأريوسية، فصل 6 : 19).
الينبوع إذا لم يلد لا
يكون ينبوعاً فإذا ألغينا الابن فإننا نلغى الآب. "لأن الذى لا يلد من ذاته
(أى من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً" كما قال القديس أثناسيوس. ظن أريوس أن الآب
متفوق لأنه هو وحده الذى يلد، لكن هل هناك آب بدون ابن؟
وفى دفاع القديس
غريغوريوس الناطق بالإلهيات عن ألوهية الابن فى مقالاته اللاهوتية الخمسة التى
قالها رداً على إفنوميوس الأريوسى قال [ وتسألنى (يسخر منه) متى ولد الابن (متى
خلق)؟ فأقول لك لقد ولد الابن حينما لم يكن الآب مولود ] [3].
وهو بذلك يريد أن يحرج الأريوسيين بأنهم ينكرون أبوة الآب الأزلية حينما ينكرون
أزلية الابن. لأن القديس غرغوريوس قال إن الأبوة بالنسبة للآب لا يمكن أن تكون صفة
حادثة أو مكتسبة. ولم يحدث إطلاقاً أن الآب لم يكن آباً لكى ننكر ميلاداً للابن
منه بلا بداية وقبل كل الدهور وبالطبيعة وليس بالإرادة. أى أن الابن مولود ولادة
طبيعية من الآب، فلم يحدث أن الآب كان كائناً ثم فكّر فى زمن ما لماذا لا يكون آب،
فولد الابن.
ومثال ذلك نقول: إن
العقل بغير الفكر لا يحسب عقلاً على الإطلاق. فإذا كان العقل ليس له بداية، فالفكر
ليس له بداية. ومع أن العقل والد والفكر مولود، ومع أن العقل هو أصل الفكر، إلا أن
العقل لا يسبق الفكر فى الوجود. وكما قلنا سابقاً إن الحكيم لا يحسب حكيماً
بغير الحكمة. ولا توجد
قوة فى الوجود تستطيع أن تسلخ الحكمة من الحكيم. فإذا كان الحكيم يعطى للحكمة
وجودها، فإن الحكمة تعطى للحكيم قيمته وحقيقة طبيعته. لأنه إذا فقدها يفقد قيمته
ويفقد كنهه؛ وصفة جوهره.
إن اللهب لا يحسب
ناراً بغير حرارة نابعة منه. فإذا فقد اللهب الحرارة، لا يُدعى ناراً على الإطلاق.
فما المفاضلة إذاً؟
إذا
كان اللهب هو أصل الحرارة، فإنه يُحسب ناراً بحرارته، فإذا فقدها يفقد كنهه ويفقد
قيمته. فكيف يسأل سائل أيهما أعظم اللهب أم الحرارة النابعة منه؟! لا يوجد لهب
بدون حرارة، ولا توجد حرارة بدون لهب أى مصدر لها.
وختاماً لهذه القضية
نقول إن الفرق بين الآب والابن ليس هو فى الجوهر ولا فى الكينونة ولا فى الوجود،
بل هو فقط فى حالة الوجود. فهل يختلف جوهرك أنت إذا كنت جالساً على كرسى فى حجرة
أو كنت فى قطار مسرع؟ إن الفرق هو فى حالة الوجود وليس فى الوجود.
كل والد يلد مولود من
نفس جوهره وطبيعته. لكن فى حالة أى كائن فإن المولود يكون كائن مستقل ويحدث انفصال
رغم أن الوالد يلد كائن مساوى له فى الجوهر. أما فى الثالوث فإن الولادة خارج
الزمن، فليس هناك بداية وليس هناك سابق ومسبوق. هى مثل ولادة الفكر من العقل. فبما
أن الآب هو ينبوع الحكمة والابن هو الحكمة؛ إذن لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.
لا يوجد إنفصال فى الثالوث بل الولادة هى مثل ولادة التيار من الينبوع، والعقل من
الفكر، والشعاع من النور.
فى حواره مع إفنوميوس
شرح القديس غريغوريوس الثئولوغوس ما يلى: كيف تدَّعى أن صفات الأبوة والبنوة
تُغيّر الجوهر ما بين الآب والابن؟ هل يمكن أن يلد الإنسان غزالاً أو قرداً؟! إن
الوالد يلد كائن مساوى له فى الجوهر. فالأبوة خاصية تتعلق بالأقنوم ولا تتعلق
بالجوهر. لأنها خاصية أقنومية، وليست من خواص الجوهر.
[1] P. Schaff & H. Wace, N & P. N. Fathers,
series, 2, Vol IV, Saint Athanasius, Exposito Fidei (Statement of Faith) P.
84,85, Eerdmans Pub. 1978.
[2]- وأيضاً "فبالمسيح قوة الله وحكمة
الله" (1كو 1: 24).
[3] P. Schaff & H. Wace, N & P. N. Fathers,
series, 2, Vol VII, Saint Gregory of Naziansus, Third Theological
Oration, article III, Eerdmans Pub. Sept. 1978, P. 301.
تعليقات
إرسال تعليق