أنكر أريوس ألوهية السيد المسيح متأثراً
ببعض الفلسفات اليونانية القديمة مثل الأفلاطونية (Platonism). فاعتبر أن اللوغوس إله، ولكنه إله مخلوق وليس
من جوهر الآب. وإنه كائن وسيط بين الله الإله الحقيقى (الآب) وبين العالم المخلوق
لأنه لا يليق أن يتصل الله بالخليقة، وأنه أسمى من أن تكون له علاقة مباشرة
بالخليقة. فكيف يخلق الله العالم أو المادة وهو منزه عن هذا؟ لذلك استخدم اللوغوس
–وهو كائن أقل وأدنى من الله- كأداة لخلق العالم. وبهذا فلسف عبارة "كل شئ به
كان" (يو1: 3). وقال أن هذا الكائن الوسيط والأدنى لا يمكن أن يكون مساو لله
فى الجوهر والأزلية.
كما فلسف أريوس عبارة "الذى هو قبل كل
شئ" (كو1 : 17) فقال أن عبارة "كل شئ" لا تشمل اللوغوس ولكن
المقصود بها كل الأشياء الأخرى، لأن الزمن فى اعتقاده بدأ مع الخليقة.
وللرد نقول إنه فى نفس الرسالة يقول معلمنا
بولس الرسول عن السيد المسيح أنه "بكر كل خليقة" (كو1 : 15)، وبالرجوع إلى أقوى
المراجع اللغوية للغة اليونانية إتضح ما يلى:
إن ترجمة كلمة prwtotokoV التى ترجمت فى الترجمة العربية البيروتية "بكر" فى
عبارة "بكر كل خليقة =prwtotokoV pashV ktisewV" هى ترجمة غير دقيقة. لأن كلمة prwtotokoV كلمة مركبة من كلمتين هما: الفعل ti,ktw بمعنى
"يلد" وprwtoV. وأما prwtoV فهى صيغة مبالغة التفضيل من pro [1] التى
تعنى "قبل-سابق-متفوق" من حيث الزمان والمكان والمنزلة والترتيب
والأهمية [2].
وبالتالى يصير معنى العبارة المعنية:
existing before all creation - superior to
all creation - preeminent over all creation [3] بمعنى "كائن
قبل كل الخليقة" أو "متفوق على (أعلى/ أسمى من) كل الخليقة" أو
"متميز بتفوق على كل الخليقة". وهذا المعنى هو المعنى الذى أجمعت عليه
الكنيسة الجامعة والكتب المقدسة وأقوال الآباء.
وفى سفر الرؤيا وردت فى الترجمة البيروتية
عبارة "بداءة خليقة الله" (رؤ3: 14) وصحتها أول مسبب للخليقة أو مصدر
الخليقة أو الذى يسود على كل الخليقة.[4]
لأن كلمة آرشى arch تعنى "أصل-رأس-مسبب-الذى به يبدأ شئ فى
الوجود"[5]
ولها معانى أخرى: "سيادة - سلطة - سطوة - ملكية تامة". أما فى
الكناية عن أشخاص فلا تدل على زمن بل على أسبقية وسيادة وتفوق[6] وهو
المعنى الوارد فى هذه الآية، بذلك تكون
الترجمة الصحيحة لها "أصل أو مسبب كل خليقة". وبالنظر إلى (كو1: 15) و
(كو1: 17) فإن المعنى المناسب هو "أصل خليقة الله". أحياناً
يكون الأصل هو بداية الشئ مثل منابع النيل مثلاً، فإنه يمكننا أن نقول أن منابع
النيل هى أصله.
واعتبر أريوس أن الابن هو أول
المخلوقات، وإنه قابل للتغيير وقابل للخطية كسائر المخلوقات. وقال طالما أن الابن
مولود (باليونانى genhtoV جينيتوس)، والآب هو الوحيد الغير المولود
(باليونانى agenhtoV آجينيتوس)؛ فيكون الآب وحده هو
الإله لأنه يتفوق على الابن بسبب أن الابن مولود والآب غير مولود. وحيث إن الابن
مولود، إذن هناك بداية لوجوده، وبالتالى كان هناك وقت لم يكن فيه موجوداً. ويتبع
ذلك أن الابن بدايته من لا شئ.
ونادى أريوس
بأن الله لم يكن دائماً آب، بل مر وقت لم يكن فيه أباً. وأن اللوغوس غريب عن
الجوهر الإلهى وليس منه. وهو لا يعرف الله تماماً بل لا يعرف طبيعته تمام المعرفة.
وأنه خُلق لأجلنا لكى يخلقنا الله بواسطته كأداة. ولم يكن له وجود إلا بدعوة الله
له للوجود من أجل محبته لنا.
كما أنكر ألوهية الروح القدس، وبذلك
يكون قد أنكر الثالوث القدوس. وفى ذلك تبع نظرية التدنى subordination التى نادى بها أوريجانوس.
استخدم أريوس تفسيرات خاطئة
لكثير من آيات الكتاب المقدس التى وردت أغلبها لكى تشير إلى حقيقة إنسانية السيد
المسيح وعمله الفدائى لخلاص البشرية. وقد أراد السيد المسيح فى بعضها أن يثبت أنه
لا يعمل مستقلاً عن الآب.
وقول السيد المسيح عن نفسه "الحى
وكنت ميتاً" (رؤ1: 18)، يقول أريوس إنه من غير الممكن أن يقول الله ذلك عن
نفسه. ويستشهد
بقول معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس عن الآب "المبارك العزيز الوحيد
ملك الملوك ورب الأرباب الذى وحده له عدم الموت ساكناً فى نور لا يدنى منه"
(1تى6: 15-16). فالآب هو الوحيد وحده الذى له عدم الموت. فكيف يقول المسيح عن نفسه
"الحى وكنت ميتاً" ويكون هو الله؟
وللرد على ذلك
نقول إنه عندما مات السيد المسيح، مات بحسب الجسد، وحتى روحه الإنسانى لم يمت.
فيقول معلمنا بطرس فى رسالته الأولى عن السيد المسيح "مماتاً فى الجسد ولكن
محييً فى الروح، الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن" (1بط3:
18-19). "الذى ذهب" هو اللوغوس، وطالما ذهب اللوغوس فهو لم يمت بحسب
لاهوته وحتى الروح الإنسانى أيضاً لم يمت، لأنه وهو متحد باللاهوت ذهب إلى الجحيم
من قِبل الصليب.
استخدم أريوس
الآيات التى تشير إلى إنسانية السيد المسيح وطبقها على ألوهيته، هنا تكمن الخطورة!
وبنفس الطريقة استخدم أريوس آية "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما
أحد، ولا ملائكة السموات إلا أبى وحده" (مت24: 36) وغيرها، وطبقها على لاهوت السيد المسيح.
وقد قام القديس
أثناسيوس بالرد على الآيات التى استخدمها الأريوسيون فى رسائله الأربعة Contra Arianos ضد الأريوسيينFour Discourses Against the Arians المنشورة فى مجموعة نيقية وما
بعد نيقية Nicene
& Post Nicene Fathers، إلى جوار كتاب "تجسد الكلمة" الذى
كتبه أثناسيوس وهو شماس قبل أن يدخل فى الصراع ضد الأريوسية.
لم يكن أريوس
وحده هو الذى نادى بهذه الأفكار بل إن إفنوميوس الأريوسى أيضاً تبناها، وقد رد
عليه القديس أغريغوريوس النيزينزى الثيؤلوغوس الناطق بالإلهيات فى العظات الخمس
التى تسمىFive
Theological Orationsالتى دافع فيها عن الثالوث القدوس. وهى من أجمل وأقوى كتابات
القديس غريغوريوس الثيئولوغوس، بل من أقوى ما قاله الآباء القديسون فى شرح عقيدة
الثالوث. وهى تبدو صعبة لأول وهلة، ولكن السبب فى ذلك هو صعوبة الصراع ضد
الهراطقة، ومنهم أريوس، الذين يستخدمون أدلة فلسفية ماكرة تحتاج رد قوى يفحم هذا
الدليل المبتدع.
فالصراع
كان أحياناً فى الإسكندرية بين البابا ألكسندروس وأريوس، وأحيانا فى القسطنطينية
بين القديس غريغوريوس الناطق
بالإلهيات وتلاميذ أريوس مثل إفنوميوس.
[1] J. H. Thayer, Greek-English
Lexicon of the New Testament, Hendrickson Publishers, June 1996, p. 554, + Dr.
Spiros Zodhiates, New Testament The Complete Word Study Dictionary, World
Bible Publishers, Inc. lowa Falls lowa, 1992, p. 1248
2 نفس المرجعين
السابقين بالإضافة إلى:
W. Arndt &
F. Gingrich, A Greek-English Lexicon of the New Testament and other Early
Christian Literature, the University of Chicago Press, 1979, p. 726, + G.
Kittel & G. Friedrich,Theological Dictionary of the New Testament, Eerdmans
Publishing Co. Reprinted 1992, abridged volume p. 965, + Strong, J. LLD. STD, The
New Strong’s Complete Dictionary of Bible Words, Thomas Nelson Publishers, USA 1996,
p.691.
[3] Barclay Newman, Jr. Greek-English
Concise Dictionary of the New Testament, 1971 by the United Bible Society used
by permission of Mrtascii Version reformatted, corrected and updated in 1987 by
CCAT University of Pensylvania, + Dr. Spiros Zodhiates, New Testament
The Complete Word Study Dictionary, World Bible Publishers, Inc. lowa
Falls lowa, 1992, p. 1249-1250.
[4] Dr. Spiros Zodhiates, New
Testament The Complete Word Study Dictionary, World Bible Publishers, Inc. lowa
Falls lowa, 1992, p. 1250
[5] . H. Thayer, Greek-English
Lexicon of the New Testament, Hendrickson Publishers, June 1996, p. 77.
[6] Dr. Spiros Zodhiates, New
Testament The Complete Word Study Dictionary, World Bible Publishers, Inc. lowa
Falls lowa, 1992, p. 260-261.
تعليقات
إرسال تعليق