بدأ أريوس يعلِّم هرطقته وهو بعد شماس فى عهد البابا بطرس خاتم الشهداء البابا السابع عشر من عداد بطاركة الإسكندرية. وقد
حاول البابا بطرس إرجاع أريوس عن معتقده الخاطئ، ولما لم يقبل حرمه البابا وحرم
تعاليمه الخاطئة، وبالتالى مُنع من ممارسة الشماسية والتعليم.
كان البابا بطرس قد رأى رؤية فى أثناء سجنه وإذ السيد المسيح واقف بثوب ممزق فقال له: "من الذى مزّق
ثوبك يا سيدى"، قال "أريوس". ففهم البابا بطرس أنه، بناء على إعلان
سماوى، حتى لو تظاهر أريوس بالتوبة سوف يكون مخادعاً، وأنه سوف يشق الكنيسة. فاستدعى تلميذيه
أرشلاوس (أو أخيلاس) وألكسندروس وحذّرهما من أريوس ومن محاللته مهما تظاهر
بالتوبة. وبعد أن نال البابا بطرس إكليل الشهادة وتولى تلميذه أرشلاوس الكرسى حاول
أريوس أن يتظاهر بالرجوع عن معتقده الخاطئ بأسلوب ملتوى فخالت على البابا أرشيلاوس
حيلة أريوس فحاللـه ورقاه إلى درجة القسيسية بعد أن كان شماساً مكرساً، بعد أن كان
محروماً بواسطة البابا بطرس خاتم الشهداء. مما جعل أحد الآباء فى كنيستنا يقول أنه
من مراحم الله أن أرشلاوس لم يدم على الكرسى سوى ستة أشهر فقط وإلا انتشرت
الأريوسية.
وبنياحة
البابا أرشلاوس تبوأ زميله البابا ألكسندروس الكرسى السكندرى فصار البطريرك التاسع
عشر فى عداد بطاركة الكرازة المرقسية. والبابا ألسكندروس هو الذى بدأ باستخدام
عبارة o`moou,sion tou/ Patri, للتعبير عن مساواة الابن للآب فى الجوهر،
وهى العبارة التى دافع القديس أثناسيوس الرسولى طوال حياته عنها وكتبها فى قانون
الإيمان.
القديس
أثناسيوس لم يخترع شيئاً جديداً بل استلم من معلمه وأستاذه البابا
ألكسندروس،
الذى استلم بدوره من البابا بطرس خاتم الشهداء "الإيمان المسلم مرة
للقديسين" (يه 3). وحينما وقف الشماس أثناسيوس فى مجمع نيقية يحاور أريوس كان
فى وقوفه يشعر بقوة الأبوة التى كان يشمله بها البابا ألكسندروس وبمساندته له.
كانت للبابا
ألكسندروس كتابات ضد الأريوسية، وهو أول من عقد مجمعاً بالإسكندرية حضره مائة أسقف
للحكم على أريوس وحرمه فيه، وهو يعتبر من كبار اللاهوتيين فى تاريخ كنيستنا. لكن فى ذلك الحين أثناء الصراع مع أريوس والرد على الآيات التى كان
يستخدمها ويسئ تفسيرها كان الأمر يتطلب محاوراً قوياً مثل أثناسيوس. فكان المعلم
والتلميذ معاً فى المجمع، وكان التلميذ متفوقاً وبارعاً جداً أمام كل المجمع بدرجة
أثارت انتباه العالم المسيحى كله بالرغم من الاضطهادات التى وقعت عليه حتى أنه أخذ
لقب "الرسولى" بعد أن صار بطريركاً.
جمع القديس
أثناسيوس بين أمرين الأول هو أنه استلم الإيمان، والثانى أنه كان محاوراً
قوياً قوى الحجة، وقدَّم إيمان أسلافه من البطاركة خاصة البابا ألكسندروس بصورة قوية
جداً، بل ومقنعة جداً. فوقعت كلمات أثناسيوس القوية وحجته الدامغة وقع المطرقة على
أريوس ومؤيديه. وسجد الجميع شاكرين لله على استخدام هذا الشاب الصغير، كما حيّاه
الإمبراطور قائلاً: أنت بطل كنيسة الله.
ليتكم تقرأون
كتابات البابا ألسكندروس فسوف تجدون أنه نفس التعليم الذى علّم به القديس أثناسيوس
لكن مع توسع كبير عند القديس اثناسيوس لأنه رد باستفاضة على الفهم الخاطىء للآيات
التى استخدمها أريوس.
ويضاف
إلى ذلك أن القديس أثناسيوس احتمل آلاماً كثيرة جداً من تشرد ونفى. وفى أثناء نفيه
كان يبشر بالمسيحية فى أوروبا واجتذب إلى الإيمان المسيحى العديد من القبائل
الوثنية، ولكنه لم يحاول أن يضمهم إلى إيبارشيته أى إلى كنيسة الإسكندرية.[1] بشر البابا أثناسيوس فى أوروبا ولم يطلب من
كل من ولدوا فى الإيمان على يديه أن يتبعوا كرسى الإسكندرية، ولم يعمل لنفسه
إيبارشية داخل الكرسى الرومانى.
كان
كرسى روما والإسكندرية فى ذلك الوقت متحدان فى الإيمان إلى حد كبير على الرغم من
مرور فترات ضعف على الكنيسة فى العالم كله، فى مرحلة محدودة، ظل فيها أثناسيوس
وحده متمسكاً بالإيمان الصحيح. مر وقت كاد فيه العالم كله تقريباً أن يصير
أريوسياً لولا أثناسيوس. ففى وقت من الأوقات عزل الإمبراطور البابا الرومانى وعين
آخر مكانه ليوقع على قانون الإيمان الأريوسى، ولما عاد البابا من سجنه إلى كرسيه
وقّع على قانون الإيمان الأريوسى الذى كان قد رفض التوقيع عليه من قبل. هذه هى
المرحلة التى لم يبقى فيها سوى أثناسيوس وأساقفته فى مصر وحدهم هم المتمسكون
بالإيمان الصحيح. لذلك ليس غريباً أن يقول اشعياء النبى: "مبارك شعبى
مصر" (أش19: 25). لكن فى أوقات أخرى كثيرة ساند كرسى روما البابا السكندرى،
مثل الباباوات معاصرى البابا أثناسيوس الذين ساندوه.
انهارت المسيحية فى العالم كله وخضعت أمام
الطغيان الأريوسى ولم يبقى سوى كرسى الإسكندرية ممثلاً فى البابا السكندرى المنفى
وأساقفته المصريين. ونحن علينا أن نقتفى آثار خطوات آبائنا.
[1 على عكس ذلك يمارس
باباوات روما اجتذاب بعض النفوس فى مصر إلى إيمانهم الخاطىء ويسمونهم أقباط
كاثوليك، يضموهم إلى كرسى روما. والبعض يقيم عذراً لبابا روما ويقول كما إننا نرعى
أقباطاً فى المهجر، لكننا نجيب بأن هذا الوضع يختلف.. هؤلاء مصريون سافروا
ومستمرين على إيمانهم ونحن نرعاهم هناك.
تعليقات
إرسال تعليق